المشاركات

طوفان الأقصىٰ: هل التاريخ مرآةٌ للحاضر؟

صورة
  حينما أُعلِنت انطلاق معركة طوفان الأقصىٰ المباركة، كنتُ مستقيظاً لتوي كعادتي لصلاة الفجر. وقد فتحت الهاتف علىٰ منصّة إكس لأرىٰ أمامي انطلاق المعركة برشقاتٍ صاروخيّة من قطاع غزّة تجاه مغتصبات الغلاف. قلتُ حينها أنَّها مجرد عمليّةٍ كباقي العمليّات الَّتي تحدث، ولن يطول أمرها إن طال إلَّا كما معركة سيف القدس. ثمَّ وإذ بنا نشهد معركةً طاحنةً خاطفة، أعادت للقضيّة مجدها الغابر، وذكّرتنا قليلاً بمعركة الكرامة، غير أنَّها أُتبعت بعد ردهةٍ بمجازر وتدمير كاملٍ وشاملٍ للقطاع. ومازلنا وقد توالت الأيام، حتَّىٰ طافت إلىٰ يومنا هذا حاجز ٤٦٦ يوماً، ولم يحرك أحدٌ ساكناً، واكتفت دول العالم بالقلق، وبعضها بالتّنديد، أمّا الشّرذمة السّاحقة من الغرب فأمالوا أعنقاهم مطيّةً للصّهاينة، وصاروا يتبارون في إعلان الطّاعة والخضوع، والانقياد التّام لمصالح عبدة العجول في يافا. فرأيتُني أعجبُ من حوادث متلاحقةٍ، يجرّ بعضها الآخر، ودار في مخيّلتي أنِّي رأيتُ هٰذه المشاهد مكتوبةً قبل حين.. فالأمداد تأتي من البحر، وعدوٌّ رابضٌ في السّاحل وبيت المقدس، وكيانٌ في القاهرة عميلٌ له علىٰ الجملة، ودولٌ ووممالك يخشىٰ الواح...

الثّقافة المعاصرة: داء الاستعلاء

صورة
  حقيقةً الأمر يختلف جوهرياً بين الكاتب في عصرنا وسمة الكاتب في العصور الغابرة، دعني أفرد لك مساحةً عزيزي القارئ في معنىٰ الثّقافة أولاً، ثم نعرّج رويداً رويداً إلىٰ الثّقافة المعاصرة ومقصودي بهٰذه الكلمة. إنّك إن تفتح المعجم تلقىٰ الثّقافة تعود إلىٰ أصلٍ ثلاثي (ث ق ف)، كما نلفيها في المعجم الوسيط، تُشير إلىٰ: ثَقِفَ ثقفاً: صَار حاذقاً فطناً، فَهُوَ ثقف، وثقف العلم والصّناعة: حذقهما، وثقفَ الرّجل في الحَرْب: أدركهُ، وَثقف الشَّيء: ظفر بِهِ، وَفِي التَّنزِيل العزِيز قال تعالىٰ: ﴿واقتلوهم حيثُ ثقفتموهم﴾، ومن ذلك: ثاقفه، مثاقفة، وثقافاً: خاصمه، ولاعبه إِظهَاراً للمهارة والحذق، و(ثقف) الشَّيء: أقامَ المعوج منهُ وسوّاه، وثقف الإنسَان: أدّبه، وهذّبه، وَعلّمه، و(تثاقفوا): ثاقف بعضهم بعضاً، و(تثقف) مُطاوع ثقفه، و(الثّقافة): الْعُلُوم والمعارف والفنون الَّتي يُطلب الحذق فيها. فنعرّفها علىٰ النّحو التّالي: أنَّها خليطٌ تراكمي من المعارف والعلوم، الَّتي تبحّر فيها المرء، بُغية التّأثير في مجتمعه وفي ذاته قبل ذلك. وهذا في عصرنا، أما في العصور الآفلة كان مفردة «الكاتب» شبيهةً بـ«المثقّف»، إذ ال...

قيد البداية

صورة
قد تنوء بك حماسة الإقدام علىٰ مسألةٍ، وتنبري لها عاقداً عزمك، ومبدياً حزمك، وساعياً بكلّ عنفوانك تقدم عليها إقدام من لا يُثني مسألته بالعود. ثمَّ حين تشرع بتجهيز لامتك لخوض غمارها، ترىٰ نفسك تقدِّم قدماً، وتبطئ أخرىٰ، وما هو احترازٌ من عواقب قد تنوبك، ولا بدرءٍ لمصيبةٍ قد تلمّك، إنَّما هو شيءٌ يُقيّدك عن الإقدام، وليس فيه نتيجةٌ تخشاها. هٰذا يرحمك الله أمرٌ تراه في كلّ مسائلك الَّتي تعتركها، وهو الخوف من الجديد. وحتّىٰ ولو لم يكن جديداً، إنَّما فقط أنَّه خروجٌ عن مألوف ساعتك الاعتياديّة الَّتي تقضيها عادةً. أفلا ترىٰ نفسك حين تهمُّ بالسَّفر يعتريك بعض الخطب، وتشعر أنَّه هناك بأساً لا تعلمه يرقبك. ومثله إن شرعت في أي عمل، كبيراً كان أو صغيراً، يكفي أن يكون خارجاً عن طور سيروريَّة يومك الطّبيعي.  لكأنَّ هٰذا إن رُمنا تحيليل كلّ صعاب يقتحمها المرء؛ أنَّ المسألة في تلكم السَّاعة. هي السَّاعة الَّتي بوحدها لو قضيتها ومررتها بسلامةٍ، فسترقىٰ وتخطو بسلامة لا ريب. وفي هٰذا شيءٌ ممَّا قالته العرب منذ قديم عهدها حين وصفت الشَّجاعة: «إنَّما الشَّجاعة صبرُ ساعة»، فإن تخطَّيت تلك السَّاعة الَّت...

المقالة رقم ١٠٠: لا تُستنسخنَّ، كُن أنتَ

صورة
  دع عنك أحلامك الَّتي ساورتكَ حيناً من عمرك، واقضي عن نفسك أثقال مكهلي ضهر الإنسان في زماننا هٰذا، ممَّن استستقوا حياتهم ونعيمها من أقلام الغرب، الَّذين ملأت مادَّة الحياة أنفسهم، حتَّىٰ صارت الغاية رفعةُ النَّفس بمنصبها لا بمكارمها، وبمالها لا بمروءتها. وباتت نفسك الَّتي تُصْلىٰ في قديم العهود، أيَّام الجاهليَّة بنيران المكارم الَّتي تُقسم المرء أنصافاً لحيازة مجدها، وعظيم شأنها، باتت هٰذه النَّفس معجونةٌ بخُيلاء الجاه والوجاه، وبما أردفه النَّاس عليها من شعورٍ بكبح الزُّهد إلىٰ استنشاطها عند الطَّمع، واستبرائها من أوقات الفزع، وباقتحامها آجال المغانم، وانكفائها عن المغارم. أبيتَ عزَّاً سؤدده في الحِلم، ومنقصته في السَّفاهة والحمق إن أرخيت مسامعك إلىٰ أراجيف هٰذه الفردانيَّة المعاصرة.. يا أيُّها الحاجب دع عنك تلك الجداول المُعتَّة، الَّتي تدَّعي تنظيم الوقت والزَّمان، وتخبرك أنَّك آلةٌ متطوِّرةٌ، محدودةٌ بعامل الزَّمن وحيِّز المكان، فتجعل نفسك إنَّما مهامٌ تُقضىٰ، لا مخلوقاً وهبه خالفه الصَّنعة في نفسه، والحرِّيَّة في ذاته. فأبيتَ أراك إلَّا أن تختزل نفسك في صورةٍ هلاميَّةٍ تدَّع...

أوَما تدري ما هي ثورتنا السُّوريَّة المباركة؟ ٢

صورة
  حين يكون سلاحك موجَّهٌ بادئ ذي بدءٍ نحو شعبك، فهٰذه أمارة خيانة، لا أعني بهٰذه الخيانة أنَّه تحالف مع عدوِّه (الأمريكي والصُّهيوني) لقتل شعبه، فهٰذه خيانةٌ لا ريب؛ غير أنَّني قصدتُ ذاك الَّذي ما قدر بسلاحه الَّذي كدَّسه أعواماً إلَّا علىٰ شعبه، أي خسر مراراً وتكراراً في كلِّ حربٍ دخلها، وكلِّ معركة شارك فيها، فليس له بعدها من بدٍّ سوىٰ توجيه سلاحه علىٰ مستضعفٍ ما وجد لنفسه حيلةٍ بغير سلاحٍ خفيفٍ، وهٰذا السِّلاح لا يكفي إلَّا لصيد طائرٍ في كبد السَّماء. فما هي أحداث حماة الَّتي تسامع بها البعض؟ والَّتي ما تسامع البعض الآخر بها لأنَّه شاء أن يضع قطناً علىٰ أذنيه فلا يقوم بهما بعد بعقلٍ أو رأي، فأصبح كالببَّغاء يردِّد ولا يفقه! كان منذ ظهور دعوة جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الشَّيخ حسن البنا الضَّوء النَّاصع في جبين هٰذه الأمَّة، إذ قد توالت كتائبه نحو فلسطين، دفعةً إثر دفعة، حتَّىٰ علا صيت الجماعة في كلِّ ميادين المسلمين، فتجذَّرت في نفوس أهل الشَّام نحو الجهاد والإسلام، ما خرج من نفوس أهل مصر وجماعة الإخوان المسلمين، فانبرىٰ الشَّيخ مصطفىٰ السِّباعي لافتتاح فرعٍ للجماعة في سوريا....

أوَما تدري ما هي ثورتنا السُّوريَّة المباركة؟ ١

صورة
 كنتُ أتساءل في قديم عهدي، عن كيف ترىٰ بالنَّاس تسمع وتُنصتُ للدَّجال يقول: أنا ربُّكم. وهو أعور عينٍ، وممسوح الأخرىٰ، وقد حُفِر علىٰ جبينه (ك ف ر)، وقد علمنا في كتب الأثر عن صفاته هٰذه، نجدها ونعرفها، فلسنا جاهليها. ولا أحسبُ تلكم الكتب تنقضي في زمان الدَّجَّال، ستبقىٰ لا ريب، ورغم بقائها ذاك، ستجدُ أشذاذاً من البشر يتَّبعوه، منطاعين مطأطين، يأمرهم وينهاهم وهم له تُبَّع، يأمِّلهم بجنَّته وهي نارٌ فيدخلوها، وينذرهم بجهنَّمه وهي جنَّةٌ فيحذروها. نعم، كنتُ أفكِّرُ في هٰذه المسألة طوال عمري وسنيني الماضية، وكنتُ أروِّي فيها، فأجد أقرب التَّفاسير فيها، أن العلم ينقضي في ذٰلك الزَّمان الموحش المغبر، وأن صحائف المجلَّدات قد مُحيت، وصوان الكتبِ قد أُفنيت، فليس لواحدٍ منهم أيَّة معرفةٍ أو وعيٍ، يستنبطُ فيه حكماً يرشده إلىٰ ماهيَّة هٰذا الأعور الدَّجَّال. فينساقون لا ريب إليه مطمئني الخاطر، ولا يروعهم ادِّعاءه الألوهيَّة، قد استقرَّت في نفوسهم معجزاته، فلا يمارُّون في صحَّتها من عدمه، ولا صدقها من كذبه، إنَّما كأنَّهم انساقوا إليه بعامل سياسة القطيع، استجلب بعض أفذاذهم، فخادعهم عن عقولهم، و...

شكوىٰ عن الفكر؛ فراغهُ، وتراكمهُ، ومللهُ ويأسهُ

صورة
  نعم، أجدُ في كثيرٍ من أحايني مشاعراً لا أجد لها معنىًٰ علىٰ وجه الحقيقة، أو دعني أقل لا أجد لهٰذه المشاعر حدوداً واضحةً، أو شكلاً جليَّاً، إنَّما هي مشاعرٌ باطنةٌ في نفسي، مستفردةٌ في ذاتي، أجدني أنكرها حيناً، وأنفثها حيناً، غير أنَّ هٰذا لا يكفي، يُسعفني في تنحيتها عن حالي الآني، أن أصرف وقتي إلىٰ صحبةٍ تُنسيني بعضها، أو تقلَّل منها قدر المُستطاع. لرُبَّما كان ذٰلك، دعني أقل لك أنَّ الفراغ هو العلَّة بذاتها، ولا أعني هاهنا فراغ الوقت، بل فراغ الفكر، ومع فراغ الفكر رُبَّما أضيف إليها تراكم الأفكار، وكذلك.. الملل من الفكر، وحتَّىٰ اليأس من الفكر. نعم هي كما قلت، أربعٌ في واحد، أزودُ من النسكافيه، وأحرُّ ما علىٰ الذِّهن فيها هي تناقض الأمور الأربع هٰذه مع بعضها: فراغ الفكر، تراكم الأفكار، والملل من الفكر، واليأس من الفكر. فأمَّا فراغ الفكر ذاك أنِّي وقد أجدُ حين أفكِّرُ بما أحرزتهُ من القراءة والمطالعة، أجدها لكأنَّها ذهبت هباءً، لا أجد لا جذوراً، أقول هل كانت مئات الكتب الَّتي قرأتها، وآلاف المقالات الَّتي أمعنتها، وعشرات الصُّحُف الَّتي طالعتها ذهب كثيرٌ منها من ذاكرتي، فلا أرىٰ ...