أنا الذي ما نظر إليّ أحد
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد الله وأصلّي علىٰ نبيّه.
من أنا؟ ما صنعي هنا؟ وهل أحسبني علىٰ ذاك القدر من الأهمية والقيمة التي تخوّل أحدهم أن يتكلف عناء القراءة لما خطّته يدي، وجاد به قلمي؟ أو أناملي علىٰ الشاشة!
تلكم أسئلةٌ راودتني، وملأت عليّ عقلي وسمعي وبصري= أن فيما أنا هاهنا، وهل يغني عن الناس شيئاً أن أنقل ما حوته قماطري وأوراقي، لأضعها هنا فيقرأها الرائح والغادي. وما تلكم الدرجة العُليا التي يلقها أحدهم في مدونتي هذه؛ فلست بذو شهرةٍ أو مالٍ تليد، ولا أنا ذو عزوةٍ من سلفي في ميادين الأدب والكتابة، ما أنا إلا غِرٌّ قد غُرّ بقراءته بضعة كتبٍ ما بلغت حصيلته بها شيئاً. وهو كما يعلم في قرارة نفسه ضعيفٌ في الإعراب، وبسيط في العَروض؛ فأنىٰ له أن يدّعي رفعةً في الأدب، وسلطاناً في البلاغة والفصاحة!
”رحم اللهُ امرئٍ عرف قدر نفسه.“
كذا علّمنا سيد الأنام ﷺ، فالمرء عريفٌ بنفسه عليم، فهو يزنها بميزان الحكمة، ورجاحة العقل، ورواء النفس، ولا يدعها تفلتُ فتطغىٰ طغيان من حسب نفسه ملِكاً فتجبّر. وإن الإنسان في سعة من أمره لتعضيد حسه، وتقويم رأيه، وإمْتانِ عقله؛ فإن هو بدأ عهده بالتكبّر ومراءة النفس، كان وباله علىٰ نفسه أكثر من غيره عليه؛ فلم يعُد يُبصر عيبه فيرقّعه، ولا يأبه لخطاه فيقوّمه. فيترآىٰ له بعد حين عِظم وفداحة موقفه، بعد أن يكون الذي "ضرب ضرب والذي هرب هرب".
وقد قرأتُ لشيخ المعرّة بيتاً في هذا:
إذا كان إكرامي صديقي واجباً فإكرامُ نفسي -لا محالة- أوجبُ
ومن تمام إكرام النفس هاهنا تنقيتها من شوائبها ونوازعها، وتجميلها وتزيينها بصفات التواضع والبرّ والتقوىٰ. وهذا يعود حظه كما أسلفنا بادئ ذي بدء عليك أولاً وأخيراً، يقول أبو الحسن علي بن محمد الماوردي:
”من عَمي عن محاسِن نفسه كان كمن عَمي عن مساويها، فلم ينفِ عنها قبيحاً، ولم يُهدِ إليها حسناً!“
وقال عباس محمود العقاد: ”إن الذي يكِلُ إلىٰ الناس تقدير قيمته يجعلونه سلعةً يتراوح سعرها بتراوحهم بين الحاجة إليها والاستغناء عنها. والطريقة المُثلىٰ أن يقوّم لنفسه قيمتها، فإن المرء -كما يقول بعضهم- يساوي القيمة التي يضعها لنفسه، ذلك خيرٌ من أن يطرحها في المزاد على ألسنة الناس.“ وقال مصطفىٰ صادق الرافعي: ”مقامك حيثُ أقمتَ نفسك، لا حيث أقامك الناس؛ فالناس لا تعدل ولا تزن.“ يقول ابن الجوزي رحمه الله في حفظ منافع الذات فيما ينفع ويستوجب: ”وها أنا أحفظ أنفاسي من أن يضيع منها نَفَسٌ في غير فائدة.“
أمّا بعد:
وقد علمتُم ما دارت به خواطري، وما جالت به نفسي؛ فالآن أُعلِمكم من أنا بظاهري:
أنا مُحمّد بن يحيىٰ الرفاعي الهاشمي نسباً، والأمّي موطناً، ثم الكوتاهيّ إقامةً. ولدتُ في سوريا في أرض حوران المباركة، وترعرت في صباي في جزيرة العرب، وقد استقام بيَ المنسِم في أرض الأناضول. ومازلتُ مع السياسة والحكم في تقارب روحيٍّ قلبي، حتىٰ شاء الله، أن اطمأنّت نفسي، ورضي والداي أن أدرس تخصص العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة كوتاهيا دوملو بينار. وكان من نعمِ الله عليّ ومنّه وفضله أن هداني إلىٰ القراءة وحبّ الاطلاع، فكأنه أراد سبحان بي خيراً أن اغترب عن أهلي، ولاقيت في ذلك عنتاً وجهداً، وكرهته وهو لي خير، قال ربي ﷻ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾. فأراني وقد هُمتُ بكتب التاريخ والأدب والسياسة وعلم الاجتماع، وقليلاً من الروايات الكلاسيكية القديمة.
هذا الموجز، أما التفاصيل فترونها علىٰ امتداد المدوّنة. ألهمكم الله الصبر علي، وآجركم فيّ ما تحبّون.
من الله التوفيق، وعليه الاتّكال، وذاته من وراء القصد. والسلام.
كتبه مُحمّد، في ضحىٰ الخميس ١١ أيّار، شوال ١٤٤٤ه. عند مضريّته.
وفقك الله لما يحب ويرضى ونفع الله بك البلاد والعباد وسدد الله خطاك علر طريق الصواب
ردحذفماشاء الله وتبارك الله فتحه الله عيك فتوح العارفين ويسر الله لك امرك ونفع فيك الامه سر على بركة الله وتوفيقه وجعل النجاح حليفك أينما كنت
ردحذف