المشاركات

جلسة ليوانيّة مع كتاب مشكلة الحريّة لزكريا ابراهيم

صورة
  هل الحرّيّة مناطها أن تصنع ما بدا لك؟ إن كان كذلك فإن أرادتك علىٰ نحوٍ ما لا تقدم إلا علىٰ ما هو حقيقٌ بجلب اللّذة، وتحقيق المنفعة، فهل مثلاً إرهاق نفسك علىٰ الدراسة، أو صرفها إلىٰ الكدّ والتّعب في العمل هو حرّيّة؟ نعم، ربما تقول هي حرّيّة. ولكن أخبرني ما الذي يجبرك علىٰ أن تجلب لنفسك التّعب؟ أما كان أجدىٰ بك أن تؤول إلىٰ الراحة والدّعة، فهذا منىٰ النّفس وغايتها، ورجاء أمرها، ومناط وجودها، أنّها تحبّ الكسل، وتأوي إلىٰ الراحة والسّكون. علىٰ أنّنا لا ننفي عنك اختيارك للدراسة من أجل الاختبار، أو العمل لأجل لقمة العيش الحرّيّة والإرادة، بل الحقّ كل الحقّ لك في تقرير هذا إلىٰ معنىٰ الحرّيّة. وما أودّ قوله: أن الحرّيّة متفاوتة الأثر من شخصٍ إلىٰ آخر، ومن وضعٍ إلىٰ قرينه، ومن زمانٍ إلىٰ غيره، وهكذا دواليك. وإنّا فوق ذلك، لو أردنا مثلاً قياس أثر الحرّيّة أو شكلها ولونها وحجمها ومدىٰ تأثيرها فسنجدنا عاجزين عن ذلك قاصرين، ‏‎”فما الحرّيّة بشيءٍ يمكن تحديد وجوده، بل هي إثباتٌ للشخصيّة وتقرير وجود الإنسان، فهي ليست موضوعاً يُعاين بل هي حياة تُعانىٰ، وربما كان مَثَلُ الحرّيّة كمثل الحركة؛ فإن كلّا

قصّة قصيرة: عزّت عند صالون الحلاقة

صورة
لطالما كره الذهاب إلىٰ الحلّاق، لما يجده من إضاعة الوقت في غير فائدة، وقد كان في صغرهِ يكرهُ حلاقة قريبه الذي لا يُتقن الحلاقة إلا كما يفهم الرجل مشاعر المرأة. فكان في صِغره غير فكره في كِبره، وصار يودّ لو عادت به الأيام إلىٰ سابق عهدها ليحلق له قريبه ذاك، بدلاً من هذا الوقت الذي يذهب هباءً. قد أدرك حقيقةً قيمة الوقت المعروض بعد حين، وصار يُقدّره بأكبر مما يقدّر المال والعلم حتىٰ! يذهب المال ويُؤتىٰ بآخر، يذهبٌ علمٌ ويُستدركُ بمثله؛ أما الوقت فأنىٰ له به؟ حين ذهب إلىٰ الحلّاق، وجدَ حلّاقه الخاص غائباً، شعر أنّه إن قصّ شعره الآن عند غيره فقد خانه. علمتُهُ لو خان زوجه لما شعر بتأنيبِ الضمير كما هو مع حلّاقه! فصار يفكّر في المسألتين؛ أيقصّ شعره عند أيّ واحدٍ، أم يذهب إلىٰ غيره؟ وماذا يصنع إن علم صاحبه الحلّاق أنّه قصّ شعره عند غيره؟ كيف يبرّر له فعلته الشّنيعة تلك؟ وكيف يستقطبُ له الحُجج المُقنعة، والبراهينَ الدامغة التي يدفع بها ذنبه الذي سيقترفه! إن الأمر أعسر ممّا يتخيّل! دعك من تبرير الرجل لزوجه إن خانها، الأمر أشبه كذلك بالولد الذي فكّر في طريقه إلىٰ البيت بحيلةٍ يُميط بها غضب والده

وقفةٌ مع كتاب: تاريخِ سوريا الحديث لـعبد الرّحمٰن نمّوس

صورة
  هذه الديار التي اسمها بلاد الشام، ديارٌ علىٰ بركتها اُترِعت فِتناً، وعلىٰ جمالها مُلِئت قبائحاً، وعلىٰ سهولة أرضها زِيدَت مصاعباً ومَكارهاً. هذه ديارٌ لا يزيدك بُعادها إلا قُرباً، ولا تستعصيكَ مرارتها إلا حلاوةً، ولا يُغويك ظلمها إلا عدلاً. ألا فأنعِم ببلاد الشام قاطبةً، وبسوريا خاصّةً. منذ مشارع القرن العشرين، ومع تذبذب أحوال الدولة العثمانيّة، التي أوت إلىٰ انحدارٍ باضطّرادٍ منذ عهد سليمٍ الثالث، وإقراره تشاريع عَلمانيّةٍ في صُلب الدولة، ثم قدوم محمودٍ الثاني وصنعه في الدولة ما صنع محمد علي باشا في مصر من تمرير قوانين غربيّة فرنسيّة وسويسريّةٍ في عصب الدولة وقضائها. الدولة العثمانيّة التي ما حكمت بلاد العرب إلا باسم الله، فكانت تلك كشعرةٍ قصمت ضهر البعير. فعلىٰ ظُلمها في كثيرٍ من الأعوام بسبّة أساليب حُكمها الإقطاعي، وتسلّط وُلاتِها وجُباتها وأمرائها العسكريين؛ فقد سكن الناس ورَوعَهم لمّا ظنّوا أنها دولةً مُسلمةّ؛ لا نخرج فتكون مفسدة. فإن أتيتِ أيتها الدولة وحكّمتِ غير شرع الله فيهم؛ فما الرّادع لهم أن يثوروا؟ وقد أتىٰ عبد الحميد الثاني إلىٰ السلطة، ودعا إلىٰ جامعةٍ إسلاميّةٍ، وأعا

نظرةٌ علىٰ كتاب من أيام العمر الماضي لـلنفيسي

صورة
إنما المرء بتجاربه، لا ساعاته وأيّامه. وحسبهُ أن يغتنم بعض ما عنده من الوقت في تعجيل عقلهِ الإدراك، وتسريع قلبهِ الفهم. وإن مَناط المرءِ في كسب العُلا أن يدرأ عن نفسه سُبل التراخي، وأن يشتدّ في عزيمته علىٰ امتطاء المَكاره، وألّا يُمالي نفسه علىٰ السّكون والدّعة، والخُمول والكسل. وحسبهُ من المُنجيات الفُضول الذي يعتريه، وحبّ الإطّلاع الذي يُسابقه الوقت، فيخشىٰ أن يطوفَه وما كسَبَ شيئاً! وإن الدّكتور عبد الله النفيسي رجلٌ قد أعياه السّكون، فهو لا يِطيق القعود؛ فإن لم يعمل، جهِد أن يتعلّم. وربّما قال أحدُهم: إن له عائلةً تسندُهُ فيستغني عن النّاس، ولهم من الأموال ما لا يحتاج معها منحٌ ودعمٍ، يكتفي بما عند أبيه، فأنّىٰ لنا مثل ما عنده؟ وقد ذكرتُ لعمري قولاً لابن حزمٍ الأندلسي الظاهري، وهو العالم الفقيه المفكّر الفيلسوف الوزير ابن الوزير المُتربّي في بيت العز والجاه، بين النساء والجواري، والترف والنعماء، إذ تعلمون أنه كان من بيت وزارةٍ وغنىًٰ، فجعل بعض أقرانه يوعزون تفوّقه عليهم، وتمكّنه من العلوم شتىٰ لِما عند أبيه من المكانةِ والجاه والوجاه، إذ وقعت مناظرةٌ بين ابن حزم وأبي الوليد الباجي،

وافاني الطيرُ وما فَعلتْ

صورة
  إني يا عين الحنين، ويا مقلة السنين، ويا طير آذار، ويا رادعة الخطوب، ومانعة الشؤوب، ويا مكّة الغابرين.. وأنا أغبرهم. هاكِ نفسي وقد أسمتكِ بأسماءٍ لا تُعدّ ولا تُحصىٰ، وبألقابٍ عجزتُ أن أذكرها لوقتٍ يتداركني، ثم علىٰ كلّ هذا أمتنع عن ذكر اسمكِ. ولا أعلمُ أهو عارضٌ ألمّ بي ألماً، أم نزعةٌ من نزعات تقاليدٍ متشبّثٌ أنا بها، أم رجفةٌ في الفم أعيت اللسان عن استدراكها؟ واسميكي لعمركِ عينٌ وحاجب. إني قد تجاوزتُ في هذا الشهر عتيّاً من الحزن.. ذاك حزنٌ أن أقدمتُ علىٰ أشياء ما أحببتني أُقدمُ عليها، ومضيتُ إلىٰ أمورٍ كنتُ فيها علىٰ كرهٍ لها أيما بغضٍ، وأيما نفور! ثم رأيتني مقبلاً عليها مكرهاً، ولا أعلمني والله أُصيّر إلىٰ هذه الوقائع بكل تلكم العجلة، حسبتني في بواكير عمري أن أسقط في ذانكم الاختبار. هذا محال.. يا مُقلتي هذا محال! إن الزمان لا يسيرُ برضاي ورضىٰ غيري، وإن سنّة الله مقضيّة، وحكمته مرئية لا تغيب إلا عن جاهلٍ، ولا تستعصىٰ الا على مستكبر. ولا يرد قضاء الله إلا الدعاء، فألحّي حبّاً كما كنتِ في بادئ أمرنا. وإن الناس كرهوا تلميحي لأمورٍ علىٰ غموضها مبرهنةٌ جليّة، وعلىٰ رغم ظهورها فإنها مخف

سلاحُ من لا سلاحَ له

صورة
  كان في يومٍ قد فرغتُ فيه من درسي الجامعي، وتوجّهتُ إلىٰ محطّة الحافلات، وإذ بي أرىٰ ازدحاماً علىٰ قلّة الحافلات؛ لا تمرّ الحافلة إلا كل ربع ساعة أنذاك، وكلّما جاءت واحدة؛ كانت ممتلئة، ولا يركب فيه حين تقف إلا اثنين منّا، ولا ألحق أنا بأنا أركب لكثرة الازدحام كما أسلفت. فكنتُ أتأفأف، وأنطلق إلىٰ الموقف الذي يسبق موقفنا هذا، وكلما رحتُ إليه أراه مزدحماً، فأسير إلىٰ الذي بعده، ثم إلىٰ الذي بعد، ثم إلىٰ الذي بعده.. حتىٰ تراني قد قطعت سيراً علىٰ الأقدام ٢٠ دقيقة. حينها فقط عيّ صبري، ونفد احتمالي لذلك علىٰ شدّة في الطقس، وظهيرةٍ ألوت الأكباد لحرورها. ففتحت الهاتف، ودخلتُ حسابي علىٰ منصّة الانستغرام، وكتبتُ نصًاً فيه طعنٌ وتجريح، وسبٌّ شتمٌ في البلدية وأعوانها. ثم أغلقته، وانتظرتُ الحافلة، التي أتت ورأيتها مزدحمة، ولم أستطع كرّة أخرىٰ الركوب، وأتت بعدها واحدة كذلك؛ ولم أستطع اللحاق بها. هنالك، رأيتُ هاتفي يرن، فتحته فرأيتُ أبي الذي يتّصل.. وأنذاك سمعته يوبّخني ويؤنّبني، ويلومني ويعذلني علىٰ ما صنعت. وأعطاني محاضرة يومها في أن: ❞ليس المؤمن بالطعان، ولا اللّعان، ولا الفاحش، ولا البذيء❝. منذ ذ

المسالك والمقاصد؛ رأيٌّ في السياسة والدين

صورة
  أزعمُ أن أناسنا أبعدَ ما يكونون عن فَهمِ السياسة من جانبٍ، وفَهمِ الدين من آخر، وفَهمِ الواقع من ثالثٍ. إن الله ﷻ أعلمُ بخلقه من خلقه لا ريب، وسلطانه وحكمته تجلّت عن فهمها الخلائق، ولربما اهتدىٰ بعضهم إلىٰ استيعاب جزءٍ من جزءٍ منها.. لكنهم يبعدون عنها بُعداً لا يحتدّ بحدٍّ، ولا يُقاسُ بمِقياس. وقد رأيتُ أقواماً تأخذهم الحميّة في تطبيع شرع ربه، علىٰ صورةٍ ليس كما أنزلها ﷻ، وليس بشكلٍ طبّقه أجلّ الخلق عظيمنا محمدٌ ﷺ، ولا من بعده صاحبه وصفيّه وخليفته أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-، ولا أمير المؤمنين عمر الفاروق -رضي الله عنه-.. ولا عثمان ولا علي ولا ابن عبد العزيز. إن بعضهم أخذتهم العاطفة الجيّاشة في تطبيق شرع ربنا -وهو حقٌّ بحقٍّ حقّاً-؛ فرأوا أن من الفعائل الموجبة لذلك؛ إجبارَ الناس علىٰ ما لا يحتملون، وإنزالهم في ما يكرهون. فإن الغاية وإن كانت سليمة؛ فإن الوسيلة مريرة، بل ولربما زادت فكانت داعياً لإكراههم، وتنفيرهِم من شرع الحكيم ﷻ، فصاروا يبغضونهُ بدل حبّه؛ تماماً كردّة الروافض في إيران، إذ ادّعت دولة الملالي تطبيق الشريعة فنفّرت الناس عن دين ربهم. وربما عدا بالبعض أن ينسبوا ذاكم ال