وافاني الطيرُ وما فَعلتْ

 

إني يا عين الحنين، ويا مقلة السنين، ويا طير آذار، ويا رادعة الخطوب، ومانعة الشؤوب، ويا مكّة الغابرين.. وأنا أغبرهم. هاكِ نفسي وقد أسمتكِ بأسماءٍ لا تُعدّ ولا تُحصىٰ، وبألقابٍ عجزتُ أن أذكرها لوقتٍ يتداركني، ثم علىٰ كلّ هذا أمتنع عن ذكر اسمكِ. ولا أعلمُ أهو عارضٌ ألمّ بي ألماً، أم نزعةٌ من نزعات تقاليدٍ متشبّثٌ أنا بها، أم رجفةٌ في الفم أعيت اللسان عن استدراكها؟ واسميكي لعمركِ عينٌ وحاجب.

إني قد تجاوزتُ في هذا الشهر عتيّاً من الحزن.. ذاك حزنٌ أن أقدمتُ علىٰ أشياء ما أحببتني أُقدمُ عليها، ومضيتُ إلىٰ أمورٍ كنتُ فيها علىٰ كرهٍ لها أيما بغضٍ، وأيما نفور! ثم رأيتني مقبلاً عليها مكرهاً، ولا أعلمني والله أُصيّر إلىٰ هذه الوقائع بكل تلكم العجلة، حسبتني في بواكير عمري أن أسقط في ذانكم الاختبار. هذا محال.. يا مُقلتي هذا محال! إن الزمان لا يسيرُ برضاي ورضىٰ غيري، وإن سنّة الله مقضيّة، وحكمته مرئية لا تغيب إلا عن جاهلٍ، ولا تستعصىٰ الا على مستكبر. ولا يرد قضاء الله إلا الدعاء، فألحّي حبّاً كما كنتِ في بادئ أمرنا.

وإن الناس كرهوا تلميحي لأمورٍ علىٰ غموضها مبرهنةٌ جليّة، وعلىٰ رغم ظهورها فإنها مخفيّة. وما همّني يا رادعة الناس ما قالوا وما عملوا، سرّي لنفسي وسرّ الناس للناس. وإني توقّفتُ عند كل مرحلةٍ أحمد الله ربي علىٰ كل خير، وأستغفره علىٰ شرٍّ واتاني، فما بهاني ذاكم الشر إلا عن معصيةٍ اقترفتها، أو عن مسألةٍ أحبّني الله فابتلاني بها.. وأراكِ ابتلاءٌ وأنتِ النعمة!

ثم إني وجدتُ خوالياً من الناس قد تقلّبوا بين الخير والشر، فتارة أبرزوا لي أنيابهم يحقنوا بها جسدي، وينهشوا من لحمي، ويشربوا من دمي، وطوراً أُبصرهم في نعماء خيرٍ يصلوني بطيّب الكلام، وبمعسول القول، وبعينٍ لامعةٍ نوراء.. فلا أملك من نفسي إلا أن أقبل ودّهم إذا جاووني، وأقبل خصومتهم إن تركوني. فمتىٰ تجيئيني؟

هاهنا أفرغُ من خاطرتي هذه.. عند الدقيقة ٥٤ من الساعة الأخيرة في شهر آذار.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا الذي ما نظر إليّ أحد

دوري أبطال الكذب

صخرةٌ فُلِقت: في أدبيات الاعتيادِ والتّناسي والأُلفةِ والتجلّد