أوَما تدري ما هي ثورتنا السُّوريَّة المباركة؟ ١



 كنتُ أتساءل في قديم عهدي، عن كيف ترىٰ بالنَّاس تسمع وتُنصتُ للدَّجال يقول: أنا ربُّكم. وهو أعور عينٍ، وممسوح الأخرىٰ، وقد حُفِر علىٰ جبينه (ك ف ر)، وقد علمنا في كتب الأثر عن صفاته هٰذه، نجدها ونعرفها، فلسنا جاهليها. ولا أحسبُ تلكم الكتب تنقضي في زمان الدَّجَّال، ستبقىٰ لا ريب، ورغم بقائها ذاك، ستجدُ أشذاذاً من البشر يتَّبعوه، منطاعين مطأطين، يأمرهم وينهاهم وهم له تُبَّع، يأمِّلهم بجنَّته وهي نارٌ فيدخلوها، وينذرهم بجهنَّمه وهي جنَّةٌ فيحذروها.

نعم، كنتُ أفكِّرُ في هٰذه المسألة طوال عمري وسنيني الماضية، وكنتُ أروِّي فيها، فأجد أقرب التَّفاسير فيها، أن العلم ينقضي في ذٰلك الزَّمان الموحش المغبر، وأن صحائف المجلَّدات قد مُحيت، وصوان الكتبِ قد أُفنيت، فليس لواحدٍ منهم أيَّة معرفةٍ أو وعيٍ، يستنبطُ فيه حكماً يرشده إلىٰ ماهيَّة هٰذا الأعور الدَّجَّال. فينساقون لا ريب إليه مطمئني الخاطر، ولا يروعهم ادِّعاءه الألوهيَّة، قد استقرَّت في نفوسهم معجزاته، فلا يمارُّون في صحَّتها من عدمه، ولا صدقها من كذبه، إنَّما كأنَّهم انساقوا إليه بعامل سياسة القطيع، استجلب بعض أفذاذهم، فخادعهم عن عقولهم، وسلبهم انعقال أفئدتهم إلىٰ صواب الرَّأي من مفسدة الفهم، فأومأت إليه عيون أشتاتهم، لما حسبوه في صفوتهم ونخبتهم من عقل راجحٍ يُسعفهم أيام ما يُحاجوا إلىٰ شيءٍ غيره. 

فلنستهل صورتنا يا قارئ الأكرمي عن مطالع الوحدة مع مصر، نعم، يوم توحَّدت سوريا ومصر، وظنَّ حينها جمال عبد النَّاصر أنَّه النَّاصر الثَّاني، فالأوَّل هو صلاح الدِّين يوسف بن نجم الدِّين أيوب، قد وحَّد مصر والشَّام تحت رايته النسريَّة الصَّفراء، وها هو النَّاصر جمال عبد النَّاصر الَّذي لم ينتصر ولو بمعركةٍ واحدة، يحذو حذوه، يروم صنيعه، وغاية مناه أن يخلد خلوده في قماطر التَّاريخ، وقد خُلِّيد لا ويب، ولٰكن ليس بصورة مُثلىٰ. غير أنَّ سياسة الأوَّل فيها من الحكمة ما تعوز الثَّاني، فانقلبت خطَّة جمال، فاستبدَّ بالرَّأي، ووضع عبد الحميد السَّرَّاج علىٰ سلطة سوريا، فابتدع فيها أخزاه الله في آخرته بدعة تعذيب السُّجناء، وها أنتَ أخي القارئ، تعقل الآن أنَّ ما سمعته من تعذيب السِّجناء والمعتقلين في تدمر وصيدنايا وفرع فلسطين وغيرها بدأ من هنا. لم يصب جمال عبد النَّاصر حظَّه بأن يقف إلىٰ هٰذا الحدَّ فعلا بطغيانه واستبداده إلىٰ تنحية لمناحي حرية العمل والعلم والرَّأي، حتَّىٰ توالت الأمور وتعاقبت فانقضىٰ عمله بانقلابٍ علىٰ الوحدة؛ الَّتي كان خيرُ ما فيها انتهاءها. وما انتهت حتَّىٰ خرجت لنا شرذمةٍ من شذاذ الآفاق، تسلَّطوا علىٰ رقاب أهل الشَّام، وأخذوا يكيلون فيهم المرَّ والمراجع، وأمام عدوِّهم الصُّهيوني ينخمعون كما النعامة تدفن رأسها بحفرة الأرض؛ وهم البعثيُّون، الحزب الَّذي أسَّسه ميشيل عفلق، يوناني نصراني، تعرَّب. وهٰكذا انقلابٌ إثر انقلاب، حتَّىٰ أتت هزيمةٌ أعقب هزيمة، ليأتي حافظ الأسد النُّصيري البعثي القومي، ليبيع الجولان بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة وهو أيام ذاك وزيراً للدِّفاع، فمضىٰ إثر تلك الحرب (حرب ٦٧) إلىٰ أن اعتلىٰ سلطة سوريا سنة ١٩٧٠م.

فمن هو حافظ الأسد؟ لا أهوىٰ كثيراً أن أحدِّثكم عنه بشخصه وحسب، إنَّما أريد أن أنظِّركم إلىٰ طائفته، فعلَّكم تفهمون المناحي النَّفسيَّة والاجتماعيَّة له ولنظامه، فكتمل تصوُّراتكم عن المشهد برمَّته. والنُّصيريَّة يا أكارم ليسوا كما الرَّوافض. أي نعلم بدعة الرَّوافض وزندقتهم وحتَّىٰ كفرهم، أمَّا هٰؤلاء النُّصيريَّة فهم أشدُّ منهم كفراً. تخيَّلوا لسنا وحدنا من نكفِّرهم، بل حتَّىٰ الرَّوافض! هٰذا دأبهم معهم منذ أن قام محمد بن نصير وإليه يُنسبون بسلب أخماس سيُّده الَّذي تتلمذ علىٰ يديه: علي الهادي وكذٰلك الحسن العسكري وهما الإمامين العاشر والحادي عشر عند الرَّوافض، ثم هرب إلىٰ جبال اللَّاذقيَّة في ساحل الشَّام وذلك في القرن الثَّالث للهجرة. وقد توالت كفريَّات النُّصيريَّة، حتَّىٰ ألَّهوا عليَّاً وسلماناً الفارسي -رضي الله عنهما- مع سيدنا محمدٍ ﷺ. فصار هناك ثالوثاً غير ثالوث النَّصارىٰ، وبات إلٰههم ينقسم إلىٰ ثلاثة: محمد، علي، سلمان. ولك أن تعلم لتضحك، أنَّهم يقدِّسون عبد الرحمن بن ملجم قاتل سيدنا علي، لأنَّهم يزعمون أنَّه بقتله قد خلَّص روحه من الجسد (الناسوت)، وارتقىٰ بذلك وانفكَّ عنه إلىٰ الرُّوح السَّامية (اللَّاهوت). وصاروا يُكثرون من شرب الخمر إذ رأوا فيه تجلِّياً لجوهر عليٍّ -رضي الله عنه- فيه. ثم آمنوا بالتَّقمُّص؛ أي أنَّ روح المرء تنتقل بعد موته إلىٰ كائنٍ حي: رُبَّما إنساناً؛ ذكراً أو أنثىٰ، أو رُبَّما حيوان. أي أن روح حافظ الأسد لرُبَّما انتقلت إلىٰ حمارٍ أو بغل (كما يزعمون).

هٰذه العقيد الفاسدة، المنطوية عند هٰذه الجماعة، والَّذين لا يأبهون بكتمانها، وطيِّها تحت الصَّحائف، فيتظاهرون بالتَّقيَّة؛ مكَّنتهم من الاعتداء علىٰ حرمات المسلمين أيَّام قدوم المغول، فتحالفوا معهم أوَّلاً لمَّا قدِمَ هولاكو، ثم لمَّا قدِمَ قازان. ومعاونتهم للمغول أيَّام قازان دفعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة لإصدار فتوىٰ تبيح قتالهم وقتلهم وسبي ذراريهم وأموالهم لما ظهر من كفرهم بواحاً، ومعاونتهم لأعداء الله من فرنجة ومغول وغيرهم، فأظهر للنَّاس عقائدهم الفاسدة المنحرفة حتَّىٰ عرفوها، فهاجموهم في قلاعهم في نواحي السَّاحل. وحين قدِمَ الفرنسيُّون إلىٰ بلاد المشرق، ووطِئت جحافلهم أرض الشَّام تداعوا إلىٰ إنشاء جيش المشرق، وكان قاطبة هٰذا الجيش من الأقلِّيَّات، وعلىٰ رأسهم النُّصيريَّة. بهٰذا علَّك تعي أخي القارئ كيف سيطروا علىٰ الجيش.. نعم بسبب الفرنسيِّين أولاً، ثم بسبب أهل السُّنَّة ثانيةً، لأنهم هٰؤلاء بحمق بعضهم كانوا كلَّما علا صلاح جديد وحافظ النُّصيري إلىٰ سلطة الجيش تركوهم وشأنهم بحجَّة الوطنيَّة والمؤاخاة. ومضوا علىٰ إثر ذلك حتَّىٰ تولَّىٰ حافظ النُّصيري سلطة سوريا وصار رئيساً للجمهوريَّة بعد أن ادَّعىٰ تسنُّنه، وقبل ذلك عمد إلىٰ موسىٰ الصَّدر مؤسس حركة أمل الشِّيعيَّة في لبنان فاستصدر منه فتوىٰ بأنَّ النُّصيريَّة هم شيعةٌ مسلمون. وحين اعتلىٰ حافظ النُّصيري السُّلطة لم يكتفي بذلك، إذ حين هبَّت رياح حرب تشرين، ما استغلَّها ليعيد الأرض الَّتي باعها مقابل كرسيِّه، بل انهزم أخرىٰ ثانية، وإعلامه يدَّعي المراجل والفتوحات، ولولا الله ثمَّ جيش العراق حينها، لوطئت جحافل الصَّهاينة مدينة دمشق. فهل ردَّ حافظ النُّصيري للعراقيِّين جميلهم؟ سنرىٰ..

هل اكتفىٰ حافظ النُّصيري بتلكم الهزيمة، واكتوىٰ بنيرانها، فسكت وصمت؟ لا، بل دخل لبنان بحجَّة القضاء علىٰ الحرب الأهليَّة الَّتي اشرأبَّت نيرانها، بين فصائل المقاومة الفلسطينيَّة وأهل السُّنَّة في لبنان يعاونهم الحزب التَّقدُّمي الاشتراكي (الدُّروز) من جهة، وحزب الكتائب الماروني يعاونهم نظام البعث والمحسوبين عليهم من جهةٍ أخرىٰ، وذلك بسبب استياء المارونيِّون النَّصارىٰ من تمدُّد سيطرة فصائل المقاومة في جنوب لبنان وحتَّىٰ كامل الأراضي اللُّبنانيَّة. تخيَّل حافظ النُّصيري الَّذي ادَّعىٰ المقاومة والممانعة حيناً من الدَّهر انبرىٰ ليكون ردعاً للصَّهاينة أمام فصائل المقاومة الفلسطينيَّة. سمح تقدُّمه واقتلاعه لجذور المقاومة في جنوب لبنان إلىٰ استفحال خطب الصَّهاينة، فما هم إلَّا عن قليلٍ حتَّىٰ اقتحموا بيروت، وفعلوا بصبرا وشاتيلا ما نعلم من المجازر.

نكمل بأخرىٰ غيرها غداً إن شاء الله..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا الذي ما نظر إليّ أحد

لعلَّك تميلُ إلىٰ العمل في الاتِّحاد بعد أن تقرأ هٰذا

قصَّة قصيرة: عودة سيف الله