نظرةٌ علىٰ كتاب وداعاً للحلم الأمريكي: المبادئ العشرة الأساسيّة لتمركز القوّة والسلطة لـنُعَوم تشومسكي



شنّ رائد علم اللسانيات في عصرنا هذا نُعَوم تشومسكي هجوماً لاذعاً علىٰ طبقة الأثرياء القابضة علىٰ مساند الحكم، ومراكز السلطة، وعضائض القوّة في البلد الذي قيل أنّه كعبة الديموقراطية، ومنبع الحرية والعدالة.
وقد كنتُ -وخاب ما كنتُ فيه- مؤمناً بتلكم النظرية في حق هذا الكيان القابع في أقصىٰ بلاد الله المعمورة، المنطوي علىٰ ذاته من حيث التدخّل، والمسيطر علىٰ العالم من جانب القوّة. وإذ أرىٰ أنّه فيه ما فيه من مثالب الديموقراطية. وفي حقيقة الأمر لا أجد بلداً فيه ديموقراطية صرفة سوىٰ سوريا الأسد.
حسبك من هذه السخرية بياناً عن حال الديموقراطية المزعومة في الولايات المتحدة الأمريكية. وإنّك إن تقرأ الكتاب تُدرك أبعاد ما أوجزه نُعَوم. وذلك أنّه يبيّن لك تخلخل معان الديموقراطية فيها بعشرة مبادئ، جعلت من أسلوب الحكم الظاهر تبادل سلطة، أما ما تحت ذاك القالب: نظامٌ باقٍ لا يستمد شرعيته من الشعب، بل من خاصّة الخاصّة، أو كما تُحب زُمرة المثقفين أن نقول (النخبة).
وأعني هنا بالنخبة، طائفة الأثرياء، وقوىٰ الرأسمالية، وصانعي الثروات المالية دون الدخول إلىٰ ميادين الصناعة والتجارة المعروفة.

١- الديموقراطية المنقوصة
وهذه المبادئ نصّ عليها نُعَوم كلٌّ علىٰ حِدا، رباطها ⟨الديموقراطية المنقوصة⟩، وهو المبدأ الأول، وفي نرىٰ أن معالم السلطة، ودائرة صنع القرار الضيّقة قد انحصرت في مجلس الشيوخ. وقد كنتُ أحسبُ أن السلطة الشرعيّة المتسيّدة في الولايات المتحدة الأمريكية إنما هو مجلس العموم (النوّاب) كما في باقي البلدان. وتبيّن أن مجلس الشيوخ في بادئ بدئه لم يكن منتخباً، إنما كان معيّناً، وكان أعضاؤه كلّهم أو جُلّهُم من الأثرياء. وإن كان مجلس العموم هو الأقرب للشعب، فإنّه حلقةٌ أضعف في الكونجرس.
وقد كانت هذه المفاضلة بين المجلسين تبعاً لمخاوف الرأسماليين والأثرياء، من أنّ الديموقراطية إن تُرِكت فضفاضةً كما هي بداته تُعرف؛ فهذا يجعلهم تحت قبضة الأكثرية المتوسّطة والفقيرة. فلا ريب أن المعركة بين الطبقتين، وأن الواجب علىٰ الأولىٰ حماية أنفسهم، بوضع السلطة ظاهرياً بيد الأخرىٰ، أما القوّة بأيديهم بالفعل.

وكانت الدولة قائمةً علىٰ هذا الصراع، في المساواة وعدم المساواة بين الطبقتين، وزيادة أحدهم الخناق علىٰ الآخر، وكان هذا مدعاةً لتباين أفكار كلاً من أرسطو وماديسون: ‏‎”فأرسطو يدعو إلىٰ الحدّ من عدم المساواة؛ الأمر الذي سيقضي علىٰ المشكلة أصلاً. فيما دعا ماديسُن إلىٰ الحدّ من الديمقراطية.“


٢- تشكيل الأفكار الأيدولوجية
دعا غير واحدٍ إلىٰ فكرةٍ أيدولوجيةٍ تقول: أن طبقة الرأسمالية هم الطبقة الأكثر اضطهاداً من السلطة الحاكمة، وما ذلك الا لعلّة الديموقراطية المزعومة، فيسرد لنا مثلاً الكاتب: ‏‎”تقول مذكّرة پاول إنّ طبقة الرأسمالیین من أكثر الطبقات تعرّضاً للاضطهاد في المجتمع الأمريكي. فالمالكون والأثرياء جدّاً هم الذين يخضعون للاضطهاد الشامل أكثر من غيرهم. وقد تمّت السيطرة على كلّ شيء من قبل اليسار المحموم بقيادة هربرت ماركوس ورالف نادر والإعلام والجامعات. ولكن، يجب علينا نحن الذين نمتلك المال أن نصدّ الهجوم وندحره. المطلوب منّا أن نستعمل قوّتنا الاقتصادية لإنقاذ ما يُسمّيه "الحرية"؛ بمعنى قوّتنا. ومن الطبيعي أن يضع تلك الأفكار بلغة المدافع، "الدفاع عن أنفسنا ضدّ القوّة الخارجية أمر ضروري". ولكن، لو تمعّنا في الأمر لوجدنا أنّه دعوة لرجال الأعمال لاستعمال سيطرتهم على المصادر من أجل القيام بهجوم رئيس لدفع موجة الديمقراطية.“
أي أن هناك تهديدٌ وجودي لطبقة الأثرياء من قِبل غوغاء الإشتراكية واليسارية وطبقة العمال والفلاحين، تشبه تلك التي حدثت في روسيا إبان الثورة البلشفيّة. فالواجب التصدي لها بزرعِ أفكار أيدولوجيّة تزعزع فكرة الديموقراطية بذاتها. وأن الديموقراطية زائدة عن الحاجة، غير مجديةٍ كثرتها، فالسمُّ قليله ينفع، وكثيرة يضر. وكذا الأمر في الديموقراطية، زادت عن الحد فأسقمت المجتمع، وأخذت أركان الدولة تتداعىٰ بسببها. فكان حتماً تقليلها، وحصرها علىٰ أمورٍ شكليّة.

وكانت من وسائل السيطرة علىٰ مساحة الديموقراطية تلك تضييق الخناق علىٰ الحركات الطلابيّة، الذين كان لهم الأثر الأكبر في معارضة السياسات الإمبرياليّة الأمريكية، فيقول نُعَوم: ‏‎”ولو تذكرتم ذلك الوقت، وخاصة بعد غزو كمبوديا، فإنّ البلد قد انفجر من الداخل انفجاراً كبيراً. وأغلقت الكليات والجامعات، وبدأت مسيرات المواطنين الذين توجّهوا إلىٰ واشنطن، وإلىٰ غيرها من الأماكن. وقد أخذت تلك السيطرة أشكالاً عدة. فمثلاً، تمّت إعادة النظر في طراز عمارة بناء الكليات. فالمباني الجديدة للكليات (وهذا بمحض الصدفة كان عالمياً) قد صُمِّمت لتفادي وجود أماكن يمكن أن تستوعب تجمعات كبيرة للطلبة. وعليه، يمكن دفعهم في الأروقة للسيطرة على تحرّكاتهم، أو شيء من هذا القبيل. وبالإضافة لذلك، يجب عدم السماح ببناء قاعات واسعة تستوعب أعداداً كبيرة من الحضور.“

والطريقة الأخرىٰ التابعة لها هي زيادة المصروفات الدراسية علىٰ الطلاب، فيجعلونهم بذلك منهمكين في وسائل تحصيل المال لسدّ القروض الناتجة عن الدراسة، والتي لربما تصل إلىٰ مئة ألف دولار أمريكي! يقول نُعَوم: ‏‎”الظاهرة الأخرىٰ هي أنّه بدأ منذ السبعينيات ارتفاع متزايد في كلفة الدراسة الجامعية؛ حتىٰ وصلت الآن إلىٰ مستوى خيالي.“ ويتبع ذلك في بيان سبب عجز الطلّاب عن التملّص من تلكم القروض في كبرهم، فيقول: ‏‎”كما أُعِدَّت هذه القروض الدراسية بشكل يتطلب من المدين دفعها، ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال لأيّ من أولئك الخريجين أن يُعلن عن إفلاسه كطريقةٍ للتخلص من ذلك الدين.“
بالمختصر قد ألغوا مجانيّة التعليم، والصحّة. فصار الرجل يلهث خلف طعامه وصحّته، ولا شأن له بالعالم.


٣- إعادة تصميم الاقتصاد
كان هدف أصاحب الأموال في التحكّم بالدولة عن طريق تغيير قاعدتين أساسيّتين: تقوية نفوذ المؤسسات المالية من بنوك وشركات استثمار وتأمين، وكذلك إضعاف سلطة الإنتاج الصناعي علىٰ السوق.
فصارت الولايات المتحدة الأمريكية التي اشتُهِرت بالقوة الصناعية، صارت قوّة ماليّة، عصب الحياة فيها تداول المال. فآبل علىٰ عظمتها مصانعها في الصين، كذلك أمازون جل بنيتها التحتية خارج الولايات المتحدة الأمريكية. ومثل ذلك كثير في الشركات الصناعية الأمريكية.
وهذا يحصر القوّة والسلطة في يد رجال المال وحدهم، فيتحكّمون بالبنوك وشركات التأمين، التي هي بدورها تتحكم بالصناعيين وباقي العمال والمواطنين.

يقول نُعَوم: ‏‎”أصبحت القيادة والمراكز الإدارية العالية في الوقت المعاصر من نصيب أولئك الأشخاص الذين تخرّجوا في كليّات إدارة الأعمال، من الذين تعلّموا ضروب الاحتيال المالي بأصنافها وأشكالها كافة. قلّ الشعور بالإخلاص للشركة، وحلّت محله المنفعة الشخصية، وغير ذلك. وهكذا، تغيّرت المواقف والسلوكيّات داخل الشركات وقياداتها. وأصبح الهدف الآن هو كيف تتقدّم على الآخرين وتحقق نتائج أفضل حين تُجرىٰ الحسابات وتُعرَف النتائج خلال الأشهر الثلاثة الماضية.“


٤- نقل الأعباء علىٰ الآخرين
يقول نُعَوم: ‏‎”أصدر مصرف سِتيگروپ، وهو أحد كبار البنوك، مطبوعة. لقد وضعوا في أيدي المستثمرين نتائج دراسة اقترحوا فيها بروز فئة جديدة في العالم سموّها فئة الإثراء الفاحش. وهذه التسمية تشير إلى "أولئك الأشخاص الذين يملكون ثروة طائلة جعلتهم متنفذين أو ذوي علاقة بجهات الحكومة العليا"، فهؤلاء الأثرياء هم الذين يحركون عجلات الاقتصاد فعلاً. وهم أيضاً المستهلكون الرئيسون؛ هناك حيث تذهب الثروات.“

لقد صنع أرباب المال المتمرّسين في الحكم، فئة جديدةً هم كما نطلق عليهم "مُحدثين نعمة"، وصاروا هؤلاء هم المغيّرين في مراسيم السوق والعمل، بل والعالم بأسره. فكأنّ العمل الذي أرادوه صبّوا حمله علىٰ ظهر هؤلاء الأثرياء الجدد.


٥- مهاجمة فكرة التضامن واجتثاثها من أذهان الجماهير
يقول نُعَوم: ‏‎”إن تزايد التضامن مسألة خطيرة جدّاً من وجهة نظر الأسياد المتنفذين. إذ يجب عليك أن تهتمّ بشؤونك وقضاياك فقط، ودعك من الناس الآخرين، فلا شأن لك بهم. وهذا بالطبع يخالف ما يسود بين الناس في ما يتعلق بوجود "أبطال" مثل آدم سمَث الذي وضع أسس اقتصاد يقوم علىٰ مبدأ "التعاطف" الذي اعتبره ميزة إنسانية. لكنّ الأسياد الأثرياء يريدون منّا أن نركّز فقط علىٰ أنفسنا ونتبع القول الخبيث: "لا شأن لك بالآخرين".“

فالإنسان إن ينشغل بقوت يومه، وقسط بيته، ومصاريف دراسته، وأمر عياله؛ ما عاد بعد ذلك يأبه لمن يغنىٰ ومن يفتقر، وتصير مراسي همّه في تقوية دخله وحده، فينفرط عقد المجتمع، إذ ينحصر كل فردٍ علىٰ نفسه، بعد أن كان كائناً اجتماعياً.

ومن وسائل إنماء هذا الشعور هو إلغاء تسلّط الدولة علىٰ شركات التأمين مثلاً، فيقول نُعَوم: ‏‎”يقوم برنامج الضمان الاجتماعي على مبدأ التضامن، والتضامن يعني العناية بالآخرين. ويقوم البرنامج علىٰ فكرة بسيطة، وهي "أنني أساهم بدفع ضريبة على دخلي لكي تستطيع الأرملة المقيمة في الجانب الآخر من المدينة الحصول على مبلغ تعتاش منه هي وأطفالها". بالنسبة لغالبية المواطنين من أمثال تلك الأرملة، هذا هو المبلغ الذي يعتاشون عليه. غير أن هذا البرنامج غير نافع للأثرياء، ولذلك يشنّون هجوماً لتحقيق ذلك قطعُ التمويل الحكومي عنه. فهل تريد أن تخرّب أيّ برنامج؟ الخطوة الأولى هي قطع التمويل عنه، وعندها سيكون الفشل مصيره، وسيعمّ الغضب في صفوف المواطنين الذين سيطالبون بشيء بديل. وهنا يأتي الدور لخصخصة هذا البرنامج؛ وهو ما يطمح إليه الأسياد الأثرياء.“

والخصخصة هي وضع الشركات تحت يد المستثمرين (طبقة الأثريا) فيشترون حصصاً من شركات التأمين، ويتملكوا بذلك رقاب الناس.
وكذلك مجانية التعليم، الذي كان بسبب الضرائب التي تفرض علىٰ الجميع، ومبدأ التضامن هنا كما هو أعلاه في مسألة الإعاشة، يقول نُعَوم: ‏‎”مبدأ التضامن يقول: "يسعدني أن أدفع ضريبة عقارية على مسكني من أجل تمويل المدارس. وهكذا، يستطيع أطفال الأسر الأخرىٰ التي تسكن على جانبَي الشارع الذي أقيم فيه الذهابَ إلىٰ تلك المدارس". وهذا بالطبع هو الشعور الإنساني. المطلوب - حسب رأيهم - أن نبعد هذه الفكرة عن أذهان الناس. "ليس لديّ أطفال يدرسون في المدارس، فلماذا يتوجّب عليّ أن أدفع ضريبة عقارية لتمويل تلك المدارس؟ ولماذا لا تحوّلوا تلك الضريبة إلىٰ المدارس الخاصة؟"، وغير ذلك من الحجج. يتعرّض نظام التعليم العام إلىٰ الهجوم بمراحله كافة؛ بدءاً من رياض الأطفال وحتىٰ التعليم العالي. رغم أنّه إحدىٰ جواهر المجتمع الأمريكي.“

ويؤكّد نُعَوم علىٰ أن العائق السياسي هو السبب الوحيد في عدم مجانية التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وليس السبب الاقتصادي أبداً: ‏‎”ليس هناك أيّ سبب اقتصادي يحول دون جعل التعليم مجانيّاً للجميع في بلدنا، وإنما الأسباب التي تحول دون ذلك اجتماعية وسياسية. وفي الحقيقة، إنها قرارات سياسية واجتماعية. ومن المؤكّد أنّ الاقتصاد سيكون في حال أفضل لو توفّرت فرص كثيرة أمام المواطنين كي يطوّروا أنفسهم ويزيدوا من عطائهم للمجتمع، من خلال ما يوفره التعليم العالي لهم.“


٦- السيطرة على مراقبي التعليمات القانونية وشراء ذممهم
يبرهن نُعَوم علىٰ أن شراء ذمم القضاة والمشرّعين كان سبباً أساسياً في اعتلاء طبقة الأثرياء السلطة وتمدّدهم في كل مفاصل الدولة، بل وتطويعها بحسب إرادتهم، ويضرب بذلك مثلاً في قضيّة قانون گلاس-سِنگال: ‏‎”من الأمور التي نجمت عن الكساد العظيم وضعُ تشريعات قانونية تهدف إلىٰ فصل البنوك التجارية حيث يودع المواطنون أموالهم -وهذه يضمنها البنك الفدرالي- عن البنوك التي تتعامل بالاستثمارات، والتي قد تكون عرضة للمجازفة، وهذه لا يضمنها البنك الفدرالي. هذه هي المبرّرات لصدور قانون سُمِّي حينها قانون گلاس - سِنگال.“

ومنها بروز جماعات المصالح والضغط (اللوبيات)، ودورها في تغيير سياسات داخلية وخارجية بضغطها علىٰ مجلسي العموم والشيوخ، كذلك ضغطهم المستمر علىٰ الإدارات الأمريكية؛ الجمهوريّة منها والديموقراطيّة. وتطويع القوانبن لمصالحهم ولتفوذهم المالي والسلطوي. 

كذلك معاملة أصحاب النفود والمال أنّهم فوق القانون بإدعاء الصالح العام. أي أن رجال الأعمال لهم شركات تأوي عدداً من المواطنين في وظائفهم، فيكون معاقبتهم معاقبة للجميع: ‏‎”كانت أزمة المدّخرات والقروض المشار إليها مختلفة بعض الشيء عن الأزمة المالية التي شهدتها البلاد عام ٢٠٠٨؛ وذلك لأنّ المسؤولين عن الأولى قُدِّموا للمحاكمة، وتمّ الكشف عن الكثير من محاولات الغشّ والخداع والحيل الشرعية والجرائم التي تمّ ارتكابها، وسيق البعض إلى السجون بعد محاكمتهم. غير أنّ الأمور اختلفت عام ٢٠٠٨. فقد طلعوا علينا بفكرة "أنّ البنوك والمؤسسات المالية كبيرة، ولا يمكن السماح بسقوطها". ثمّ ترتب علىٰ ذلك القول المنكر قول أشدّ شرّاً وهو: "إنّ المسؤولين في تلك البنوك والمؤسسات كبار لا يمكن أن يودعوا السجن". والحجّة وراء ذلك هي أنّ إفلاس تلك المؤسسات الصناعية والبنوك سيؤدي إلىٰ إغلاقها، وسيفقد العديد من الناس وظائفهم، (كما نقول في العربية، كلمة حقّ أريد بها باطل - المترجم) لذا، كلّ ما يمكن القيام به هو إجراء تحقيق وفرض الغرامات فقط.“


٧- هندسة الانتخابات 
وذلك في شخصنة الاحتكارات، وجعل المانحين والممولين للمرشّحين الإنتخابيين لهم الكلمة العليا علىٰ قرارات المُنتَخبين. وأن يكون المحتكرين هم الداعمين الأساسيّين للانتخابات التي تناسب مصالحهم فحسب. 


٨- مراقبة مثيري الشغب والحدّ من نشاطهم
يزعم نُعَوم أن النقابات العمالية هي معول نجاح الديموقراطية، ومتمرسي زعامة الحقوق التي يطالب بها الشعب، فيقول: ‏‎”السبب الرئيسي للهجوم المركّز علىٰ اتحادات العمال وتنظيماتهم هو أنهم يمثلون الديمقراطية الحقيقية فهم السّدّ المنيع المدافع عن حقوق العمال، وعن الحقوق الأخرىٰ أيضاً التي يطالب بها الشعب عموماً وهذا يتعارض مع امتيازات أولئك الذين يتملّكون المجتمع ويقومون بتوجيهه وإدارته وسطوتهم.“


٩- اصطناع اتفاق الرأي العام
إن تدجين الإعلام لفكرةٍ معيّنةٍ، تطلبها سلطة صنع القرار هو المعول الذي يتّكؤون عليه في إصدار قرارٍ يُظن بها المعارضة والرفض. فإن الناس إن علموا أن بأيديهم قوّة الرفض والمواجهة خارت عزائم الدول المستبدّة، وتزعزعت قواهم.

يقول نُعَوم: ‏‎”"تكون السلطة فيها بأيدي الحاكمين". وباستطاعة هؤلاء إذا ما أجمعوا على ذلك أن يسيطروا عليها. وما داموا يشعرون بأنّه ليست لديهم سطوة، فإنّ القويّ هو الذي يسيطر. ولكن، إذا فهموا أنّهم يمتلكون القوة فعلاً، فإنّ الحكومات المستبدة والظالمة ستتهاوى. وهذا أحد الأسباب الداعية إلى وجود مهنة العلاقات العامة.“


١٠- وضع الشعب على الهامش
إن إبقاء الشعب في معزلٍ عن التغيرات السياسية والإجتماعية يُسهّل من عملية صنع القرار. تماماً كأن تسأل مواطناً أمريكياً عادياً عن دولة آسيا فيخبرك أنه في إفريقيا! وأشدّ من هذا أنه لا يدري لمن ينتمي جورج بوش؛ ألدّيموقراطيين أم للجمهوريين!

يقول نُعَوم: ‏‎”أشار گِلِنز إلى أنّ حوالي ٧٠٪ من الشعب ليس لديهم تأثير علىٰ السياسة؛ كما لو أنّهم مواطنون في بلد آخر غير هذا البلد.“
ثم أتبع: ‏‎”لا تسمح المعلومات التي توفرها بيانات الاستطلاع للباحثين بأن ينظروا إلى أبعد من نسبة ١٠٪ العليا. وهو الأمر الذي لا يكشف الوضع كاملاً؛ لأنّ تمركز القوة الحقيقي هو في جزء من ١٪ من المواطنين. ولو امتدت الدراسة إلىٰ تلك الفئة القليلة جدّاً، لبدا واضحاً أنّ هؤلاء هم الذين يحصلون علىٰ ما يريدونه، لأنّهم هم الذين يديرون دفة الأمور حقاً.“

وكذلك يوضّح نُعَوم أن الفكرة الحق إن تبعها تهوّرٌ في الحركة، وطيشٌ في الإقدام كانت مدعاة لانهيار مصداقيّته: ‏‎”يوجد حراك شعبي ونشاط، ولكنّهما يتخذان مساراً تدميرياً. بمعنىٰ أنّ الغضب يفتقر إلىٰ التركيز، ويتحوّل إلىٰ كره وهجوم علىٰ البعض الآخر، ومهاجمة الأهداف الضعيفة.“

وأتىٰ لنا علىٰ ذلك بمثال رجل طائش متهوّر مثل دونالد ترامب، وصعوده إلىٰ سدّة حكم أقوىٰ دولة في العالم: ‏‎”منذ سنوات وأنا أكتب وأتحدّث عن خطورة بروز شخصية جذابة ومتطرفة في الولايات المتحدة؛ عن شخص يستطيع أن يستغلّ خوف المواطنين وغضبهم ويوظف ذينك الشعورين لمصلحته. ونحن جميعاً نعرف أنّ هذين الشعورين يغليان داخل المجتمع، وأنّ مثل هذا الشخص سيوجّههما بعيداً عن المسببين الحقيقين للعلل؛ أي نحو الجهات الضعيفة. إنّ الأخطار المحدقة ما زالت ماثلة منذ سنوات عديدة؛ أكثر ممّا نتصوّره في ضوء القوىٰ التي أطلقها ترامپ؛ رغم أنّه لا ينتمي إلىٰ أولئك الذين يدّعي أنّه واحد منهم ولا يمثّلهم. وهو في الحقيقة يفتقر إلى التفكير السياسي، وإطاره ينحصر فقط علىٰ "أنا وأصدقائي".“

أحــــبَرَهـا أبو هاشمٍ الأُمّي، فـــــي كوتاهيا، تركيا
عشاء الأربعاء، ٢٩ مُحرّم ٤٥ه‍، ١٦ آب ٢٣م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا الذي ما نظر إليّ أحد

شكوىٰ عن الفكر؛ فراغهُ، وتراكمهُ، ومللهُ ويأسهُ

أوَما تدري ما هي ثورتنا السُّوريَّة المباركة؟ ١