وقفةٌ مع كتاب حياة الكتب السريّة (تاريخ الأدب المنسي) ١ لـسانتياغو بوستيغيو
لو تعلمون أني ما اشتركتُ في (تطبيق أبجد)؛ إلا بعد أن وقع نظري علىٰ هذا الكتاب، اهتديتُ إليه لتوصيةٍ وجدتها في «تطبيق إكس». أنا هاوٍ أيما هوايةٍ لتلك الكتب التي تتحدث عن الكتب، أؤلئك الكُتّاب القُرّاء الذي يغوصون لك في قعرِ محيط الكتب والمؤلفات الرصينة المصونة، فيستخرجون لك شذراتٍ من الذهب، وذرّاتٍ من اللؤلؤ، يرصعونها لك بأبهىٰ حُلّةٍ؛ فكأنك إذ قرأت هذا الكتب= قد قرأت عن كل مقالةٍ منه كتاباً كاملاً بعينه. فرُبّ جملةٍ واحدةٍ أغنت عن قماطر مرصرصة. وأذكر ‹نيتشه› إذ يقول: ”أطمح أن أقول بعشرةِ جُملٍ ما يقوله غيري في كتابٍ.“= إذ ما حاجتنا من الكتب إلا تزيين عقلنا بالحكمة والمعرفة، وإسراءِ ذلك علىٰ البدن والجوارح، والروح والنفس؛ فإن صحّ بجملةٍ ما يصحّ بكتاب= استغنينا عن الكتاب، وزهدنا به إلىٰ تلكم الجملة.
وقد علمتُ في قراءتي للكتاب هذا أن تبسيط المعارف بصورةٍ قصصية؛ تزع في النفس ثباتاً للفكرة والمعلومة خيراً مما تفعل المقالة الجوفاء الصرداء، التي تراها كجسدٍ ما به من روح. ولعلّه قد صار أحد عشرةٍ من المؤثرين علىٰ قلمي وحبري.
فهو يخوض لك في غمار التاريخ، مرّة بصحبة ‹ وليام شكسبير› فيزعزع لك صورةً عظمته، ويقول لك: هناك أقاويلٌ تُفيد تفنيد نسبة أعماله إليه؛ فهل اطّلعت عليها.
ثم يجول معك إلىٰ رحاب ‹شيرلوك هوملز›، وكاتبه الذي يجهله جلكم أو كلّكم، وأنا واحدٌ منكم في ذلك، ويحدثك عن مظاهراتٍ حول قتله له. فتعجبُ لذاك التأثّر الجمّ، وتستذكر حينها قصة قتل ‹بسام الملا› شخصية «أبو عصام» في مطلع الجزء الثالث من «باب الحارة».
ثم يوجّهك الكاتب إلىٰ «دون كيخوتي»، وصاحبة «فرانكشتاين»، ثم إلىٰ ‹جورج آر. آر. توكلين› وتحفته السنيّة الرزينة: «ثلاثية سيد الخواتم». وعن قصّة استرداده لحقوق الرواية، وعلاقة ‹أيزنهاور› رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بها. ثم يمرّ علىٰ ‹دوستويفسكي›؛ صنيع الألم، ونتاج الشقاء، وقصته مع روايته المقامر، وكيف كان قاب قوسين أو أدنىٰ من فقده لحقوق جمعٍ من أعماله.
ثم يجول معك إلىٰ رحاب ‹شيرلوك هوملز›، وكاتبه الذي يجهله جلكم أو كلّكم، وأنا واحدٌ منكم في ذلك، ويحدثك عن مظاهراتٍ حول قتله له. فتعجبُ لذاك التأثّر الجمّ، وتستذكر حينها قصة قتل ‹بسام الملا› شخصية «أبو عصام» في مطلع الجزء الثالث من «باب الحارة».
ثم يوجّهك الكاتب إلىٰ «دون كيخوتي»، وصاحبة «فرانكشتاين»، ثم إلىٰ ‹جورج آر. آر. توكلين› وتحفته السنيّة الرزينة: «ثلاثية سيد الخواتم». وعن قصّة استرداده لحقوق الرواية، وعلاقة ‹أيزنهاور› رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بها. ثم يمرّ علىٰ ‹دوستويفسكي›؛ صنيع الألم، ونتاج الشقاء، وقصته مع روايته المقامر، وكيف كان قاب قوسين أو أدنىٰ من فقده لحقوق جمعٍ من أعماله.
وغير هذا ما يتلوه من متعةٍ ترجو بها ما هو خلف الكواليس، أعني كواليس كتابةِ تلك الكُتب. وأنا الآن أترككم مع وقفاتي أثناء قراءتي للكتاب:
يذكر ‹سانتياغو بوستيغيو› أن ‹كالفين هوفمان› قد زعم بأن ‹شكسبير› لم يكتب أعماله الخالدة: «هوملت»، «وروميرو وجوليت». وأن ‹كريستوفر مارلو› هو صاحبها. وقد أوصىٰ أيضاً أن يُجعل جائزةً لمن يأتي بأدلّةٍ قاطعةٍ، وبراهين موثّقةٍ بصحة ذاك الادعاء= الذي ساد عند غير واحد.
ويعلّق ‹سانتياغو› فيقول: آه، كدت أنسىٰ: علىٰ نحوٍ مثيرٍ للفضول، لم ينشر ‹شكسبير› أيَّ شيءٍ قبل ١٥٩٣م؛ سنةَ وفاة مارلو المزعومة.
ويُعرّض بـ‹ألكسندر دوما›، إذ يزعم بأن الروايات التي نُسِبت له؛ ما له علاقةٌ بها، وإنما وقّعها لشُهرته بين العامة والخاصّة. فيوردُ هذه الطرفة: أنّه ذات يومٍ، التقىٰ بابنه في الشارع وسأله: هل قرأت روايتي الأخيرة؟ فأجاب: أجل قرأتها، وأنت؟!
ويحكي لنا أن ‹ماري شيلي› ما كانت تُتقن اللغة الاسبانية، وأنها ما عزمت علىٰ تعلّمها إلا (ببساطة) لأن رواية «دون كيخوتي» سحرتها، تماماً كما قراءة زوجها لها للعمل سنة ١٨١٦م. ثم عادت بعد أن أتقنت اللغة بأربع سنين لتقرأها مرّة أخرىٰ.
وأذكر مثلاً أن ‹أحمد أمين› ذكر في سيرته الذاتية «حياتي»: أنّه كان لولعه بكتب المستشرقين؛ قد تعلم اللغة الانجليزية وأتقنها بأجود ما يكون؛ كي يقرأ تلكم الكتب بلغتها الأصليّة.
ويزعم أن ‹دوستويفسكي› ما كان ليكون حقاً كما هو لولا ذاك الداء الذي صُبّ عليه: القمار. وحين ندرك أن حالاته البائسة تلك هي التي دفعته لكتابة رواية «المقامر» خلال ٢٦ يوماً؛ وإلا تضاعف دينه الناتج عن القمار، وفقد حقوق قرابة ٩ من أعماله.
تبسّمتُ ضاحكاً لتهكّمه علىٰ ‹أرثر دويل›؛ إذ وإن كان آرثر قد قتل شخصية «شارلوك هوملز»؛ فإن ذكر تلكم الشخصية الخيالية ما زالت حيّة، أما كاتبها -وهذا من سوء المنقلب- قد خفَت ذكره مقارنة به. وحسبكَ من ذلك أني ما عرفتُ كاتب الشخصية إلا الآن!
كنتُ علىٰ علمٍ مسبقاً قبل أن أقرأ حديثه عن ‹جورج آر. آر. توكلين›، في أنه كتبَ «سيد الخواتم» فيما يربو علىٰ ٢٠ سنةً أو أزيد. ولكني علمتُ لتوّي أن بداية فكرة روايته تلك كانت بعبارةٍ أعقبت مللاً ألمّ به، وهي: "في فجوة تحت الأرض، هناك عاش الهوبيت"
كان قد بلغ تأثير ‹تشارلز ديكنز› كما يقول ‹سانتياغو›: أنّ صورة وشكل لندن في القرن التاسع عشر التي حُفِرت في أذهان الإنكليز ومن خلفهم أوروبا؛ إنما كانت بتصويره لها كما أراد هو.
وقد عجبتُ كذلك أن روايته «قصّة مدينتين» -والتي تحكي شيئاً عن الفترة المضطربة للثورة الفرنسية- منذ أن صدرت سنة ١٨٥٩م؛ تخطّت مبيعاتها قرابة ٢٠٠ ألف ألف نسخة، متجاوزة «ثلاثية سيد الخواتم» عبر التاريخ!
أحبَــرَها أبــو هـاشم الأُمّــيّ، كـوتاهيــا، تــركيا
بكور الخميس، ٢٣ مُحرّم ٤٥، ١٠ آب ٢٣م
تعليقات
إرسال تعليق