ألا تستحي أن تشمتَ بقاتل أخيكَ؟ سهلٌ جداً
سهلٌ جداً، أن أن تضع الحرب أوزارها، فتقول: لو كنتُ وكنتُ لفعلتُ وفعلتُ، وعملتُ وعملتُ، وحين تمرُّ العاصفة، فتُرعد علىٰ غيرك أن ما ثبت وما ركن، وتلوم من لم يستمسكَ بحجرٍ يسنده، وشجرةٍ يشتجرها، أو سياجٍ يمسكه، وهو الَّذي في بيداء لا عارض يحوطه، أو مانعٍ يلوذ به، سهلٌ جداً. وحين ينقضي سجالٌ بينك وخصمك، فينبري عليك شتماً وقذعاً، ويهزمكَ قولاً وفعلاً، ثم تؤوم إلىٰ فراشك تتخيَّل المشهد وقد أضفيتَ عليه كلاماً أعجبك لو قلته، وما تسنَّىٰ لك قوله، إذ أعوزتك البداهة أن تقول مقالتك، وأُنقصتَ حكمةً أن ما أسعفكَ عقلكَ في استدراك ما يُرجىٰ قوله، نعم سهلٌ جداً.
سهلُ جداً أن يأتيكَ من يقول لك لا تشمت، وقد أُرديتَ علىٰ بطنك من عذابٍ مسَّكَ بيد طاغوتٍ، لا يفتأ يذكر حادثة يلطمُ عليها منذ ١٤ قرناً، يُحيلُ جسدك إلىٰ ازرقاقٍ كساه احمرار، واصفرار اعتراه اخضرار من تبعاتٍ سوطٍ أدمىٰ الجسد، وعصاً هشَّمت العضم، وسيفٍ علا عنق أخيكَ، يفصل الرَّأس عن الجسد، ويحيل قطعةً واحدةً إلىٰ قطعيتن، يتشفَّىٰ بمقتلتك. وتراه يرجو انتقاماً من شيخٍ عاجزٍ قضىٰ عمره بين ساقيات الأرض، وشُجيراتٍ يفلح ناحيتها. ومن امرأةٍ شاء أن يفضَّ عفتها، يريدُ انتقاماً، يُريدُ ثأر يُدركه، وأي ثأرٍ يُريد! ويُمسك رضيعاً، يستخسرُ عليه رصاصةً، فيراها أغلىٰ من دمه أن يهدرها ليقتله، فيأخذه من قدمه، ويُطيح به علىٰ الحائط يُهشِّم رأسه، وليس فقط رأسه، بل جسده.. أي نعم، سهلٌ جداً.
سهلٌ جداً، أن يأتيكَ فلانٌ ليقول لك: لا تشمت! لا تشمت بمن دمَّر بيتك وحيَّك، وبما أردىٰ وطنك هدماً وردماً، وبمن جعل رايته علىٰ مأذنة بيت ربِّك، وبمن أحرق بلدك، وبمن سوَّد أرضك، وأسرف بدمك. لا تشمت يا سوري، لا تشمت يا سنُّي! عارٌ عليكَ أن تشمتَ بمن قتلك! عارٌ عليكَ أن تشمتَ بمن اغتصبَ أختك! عارٌ عليكَ أن تشمتَ بمن عذَّبك جدَّك! عارٌ عليك يا سوري، عارٌ عليك. يا مُسلم عارٌ عليكَ أن تشمتَ بمن قذف أمَّك عائشة، وسبَّ أسيادكَ الصِّدِّيق والفاروق وذي النُّورين، وبمن يطعن بعرض نبيِّك، فيا مسلم لا تشمت.
يا سوري، لا تكون شامتاً، مُت بنُبلٍ، فدمك رخيصٌ، ورأيك أرخص، ووطنكَ أزهد من وطن غيرك إن دُمِّر، وأهلك دماؤهم أرخص من ترابٍ مشىٰ عليه خصمك، خصمك هٰذا يا سوري ينصر فلسطين، فكيف تشمتُ به؟ ألا تُعطي اعتباراً لفلسطين؟ ألا تستحقُّ فلسطين منك أن تُعذَّب بيد ناصرها؟ ألا تستحقُّ فلسطين أن يُغتصب عرضك ليرضىٰ ناصرها؟ ألا تستحقُّ فلسطين أن تُبنىٰ بحجارة وطنك؟ ألا تستحقُّ فلسطين أن يُحتلَّ بلدكَ، وتُقام في الأموي المآتم من عدوِّك، ويكثر اللَّطم والهرج؟ ألا تستحق؟ ألا تستحقُّ فلسطين أن تُغرق بدمك؟ فكيف تشمت! لا تشمت يا سوري لا تشمت!
ألا تخاف أن يبتليكَ الله بمن شمتَّ به، ويُصيبك ما أصابه، ويعتريك ما اعتراه؟ كيف؟ أتقول أنَّك ذُقتَ أشدَّ ممَّا ذاق خصمك؟ أحين حُوصِرتَ في مضايا، سخر منك عدوُّك، وأخذ ينشر صور الأكل يريد أن يشمت؟ أتقول أنَّك ذُقتَ أشدَّ ممَّا ذاق خصمك؟ حين أُسقطت عليك براميلاً، أفنت البشر والشَّجر، وما بقي حجرٌ فوق حجر، فأخذ قاتلك يسخر بتمنِّي برميلاً يسقط أخرىٰ علىٰ رأسك وبيتك؟ وليكن يا سوري، كن شريفاً نبيلاً ولا تكن مثله، ولا تسخر، ولا تشمت! كن يا سوري قديساً، واجعل دمك أرخص وأرخص، ولا تشمت.
هل تريدُ يا سوري أن تشمتَ بعدوِّك، فتكون كعدوِّك الآخر؟ ألا تخجل يا سوري أن تقول اللَّهُمَّ اضرب الظَّالمين بالظَّالمين وأخرجنا من بينهم سالمين؟ هل تعتبر هٰذا الرَّافضي من حزب اللَّات عدوَّاً؟! فقط لأنه قتلك صار عدوَّك! فقط لأنَّه احتلَّك صار عدوَّك! فقط لأنَّه اغتصب عرضكَ صار عدوَّك! فقط لأنَّه عذَّبك صار عدوَّك! اخجل من نفسك يا سوري، من يسمعك يظنُّ أنَّه صنع بك شيئاً خطيراً!
هل قاتلوك يا سوري؟ فيلكن، علىٰ الأقل لا تشمت. عش بنُبلٍ ومُت بقهرٍ يا سوري، ولا تشمت، إياك أن تشمت، إياك أن تشمت، إياك أن تشمت.
تعليقات
إرسال تعليق