عجائبُ الأسفار: فصل حرب غزَّة وطوفان الأقصىٰ والنَّكبة الثَّانية



مقتطفات من فصل «حرب غزَّة وطوفان الأقصىٰ والنَّكبة الثَّانيَّة» من كتاب «عجائبُ الأسفار وغرائبُ الآثار في أخبارِ الممالكِ والأمصار» لمؤلُّفهِ ابن عبد المجيد سرور (ت: ٢٠٦٣):

«لقد بقيتُ عدَّة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً وأؤخِّرُ أخرىٰ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعيَ الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهونُ عليه ذكرُ ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل حدوثها وكنت نسياً منسيَّاً، إلَّا أنَّني حثَّني جماعةٌ من الأصدقاء علىٰ تسطيرها وأنا متوقِّف، ثم رأيتُ أنَّ تَرْك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا فصلٌ يتضمن ذكر الحادثة العُظمىٰ والمصيبةَ الكُبرىٰ التي عقمت الليالي والأيَّام عن مثلِها، عمَّت الخلائقَ وخَصَّت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالمَ منذ خلق الله آدمَ وإلىٰ الآن، لم يُبتَلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التَّواريخ لم تتضمَّن ما يُقاربها ولا يُدانيها، ومن أعظم ما يذكرون من الحوادثِ ما فعل بختنصر ببني إسرائيل من القتل، وتخريب بيت المقدس، وما بيتُ المقدس بالنسبة إلىٰ ما خرَّب هؤلاء الملاعين من البلاد؟ وكذلك ما فعل المغول في بلاد المسلمين في مروٍ وبلخ، وبخارىٰ وسمرقند، وأصفهان والرَّي، وبغداد وحلب، وما أحدث قبلهم أهل الصَّليب في بيت المقدس حينما قتلوا من المسلمين ٦٠ ألفاً، حتَّىٰ وصل الدَّم إلىٰ الرُّكب، وقبلها في الرُّها وأنطاكيَّة وبيروت وطرابلس وعكَّا، ومن ثمَّ ما أحدثته دول أوروبا في الأراضي الجديدة الَّتي سُمِّيت لاحقاً أميركا، من إفناءٍ لعرق الهنود الحُمر، وما أحدثته بريطانيا في الهند، وما صنعته فرنسا في الحزائر وتشاد ومالي، ومثله الَّذي أودىٰ به ماو تسي تونغ في الصِّين لمَّا استولىٰ علىٰ الحكم، وستالين حينما سيطر وحزبه علىٰ دول روسيا وآسيا الوسطىٰ وشرق أوروبا وأسماوها الاتِّحاد السُّوڤيتي، وما أحدثت الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة في اليابان لمَّا أسقطت علىٰ هيروشيما وناجازاكي قنبلتين نوويَّتين، وما فعلته في فيتنام، وأفغانستان والعراق وكوبا، وما صنعته إيران الرَّافضيَّة في أربعة عواصم عربيَّةٍ؛ دعمها لميليشيات الرَّافضة في العراق بقيادة المالكي والصَّدر، ودعمها للنُّصيريَّة في الشَّام، وحزب اللَّات في لبنان، والحوثي في اليمن، ولعلَّ الخلائق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقَرِضَ العالم، وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجَّال فإنه يبقي علىٰ من اتَّبَعه، ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يُبقُوا علىٰ أحدٍ، بل قتلوا الرجال والنساء والأطفال، وشَقُّوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنَّة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطار شررها، وعمَّ ضررُها، وسارت في البلاد كالسَّحاب استدبرته الريح.

في السَّابع من شهر تشرين الأوَّل لعام ٢٠٢٣م من ميلاد المسيح -عليه السلام-، أقدمت كتائب المجاهدين في غزَّة هاشم منصورين مثابرين علىٰ اقتحام سياج الكُفر، وحائط الباطل، وردعوا عبدة العجل، ونكَّلوا بهم، فقتلوا فريقاً، وأسروا فريقاً، وجالوا في قرىٰ اليَّهود، وصالوا في مستوطناتهم، وجعلوهم عبرةً لمن يعتبر، ومثلاً لمن يختبر. وكان أن مهَّد الله لهم من النَّصر المؤزَّر، والفتح المؤثَر، وأنابهم قوَّة علىٰ قوَّة، وجَلَداً علىٰ جَلَد. ثم أفل بعض المجاهدين بمن غنم من عتاد السِّلاح، وأسرىًٰ في الحديد مصفَّدين، عائدين بهم إلىٰ مواقعهم في غزَّة هاشم، متأمِّلين بذلك نصرة إخوانهم في بقاع الأرض من عربٍ وعجم، وكردٍ وترك، وبربرٍ وفُرسٍ. غير أنَّ هٰذه الأمَّة أمَّة غثاءٍ كغثاء السَّيل، نزع الله من المهابة، وزرع في قلوبهم الوهن والضَّعف، وصيَّرهم لخذلانهم مثلاً في الخور والخرع، وصاروا مضحكةً للأُمم، وميدان صراعٍ بين الممالك والدُّول، فترك ا غزَّة تحمل وحدها عناء الأمَّة، وسيلاً غاشماً من جبروت الصَّهاينة وأعوانهم من أهل الصَّليب في الغرب؛ الأمريكان والأوروبيِّون، وخذلوهم خذلهم الله، وتركوهم تركهم الله، فصار أهل غزَّة والعدوُّ من أمامهم، رالبحر من ورائهم، والصَّديق الخائن من جانبهم، يحاصروهم منذ ٢٠٠٦م، ثم نكلوا بهم في بقعةٍ لا تتجاوز ٣٦٠ كم².

وأحدث الصَّهاينة من الفجور والظُّلم ما الله به عليم، وشرعوا بأعظم المجازر مصيبةً، وأشدَّها مقتلةً؛ فقصفوا مستشفىٰ المعمداني في ساعات ليلة السَّابع عشر من تشرين الأوَّل لنفس العام، وقتلوا من الشُّهداء عدداً جاوز ٥٠٠ شهيداً بحسب إحصائيَّة وزارة الصَّحة في غزَّة، و٦٠٠ جريحٍ جلُّهم بإصاباتٍ بالغةٍ أودت ببعض أطرافهم. وما استنكر العالم إلَّا ببيانات قلقٍ وشجبٍ واستنكارٍ ما هو إلَّا رفع عتبٍ عن شعوبهم الَّتي ظنُّوا أنَّهم يثورون عليهم، وما ثار أحدٌ وما حدث شيءٌ. ثم أتبعت الصَّهاينة مجزرة المستشفىٰ المعمداني بمجزرةٍ واقتحامٍ لمجمَّع ومستشفىٰ الشِّفاء، ومجازر أخرىٰ عديدة صغيرة إن قُورنت بهاتين، وكبيرة إن علمتم ضحاياها بحدود العشرات لكلِّ مجزرة. وكذلك مجزرة دوَّار النَّابلسي بعدد شهداء تجاوز ١١٢ شهيد، ومجزرة دوَّار الكويت، ومجزرة مدرسة التَّابعين، ومجزرة جباليا، ومجزرة رفح، ودير بلح، ومخيَّم النُّصيرات.

واقتحامات شمال غزَّة، والشُّجاعيَّة، والدير بلح، وخان يونس، وغزة، والنُّصيرات، ومخيَّم جبايا، والمواصي، والوصول حتَّىٰ مجمَّع الشِّفاء، ومحاولات اقتحام رفح والسَّيطرة علىٰ محور فلادلفيا، ومحور نتساريم الذي يفصل قطاع غزَّة نصفين. وما يشوب هذا من اعتقالاتٍ وقتلٍ واغتصابٍ للأسرىٰ، ومجازر لا تعدُّ ولا تحصىٰ حتَّىٰ بلغ عدد الشُّهداء إجمالي ٥٠ ألف شهيد معلن عنه، غير الَّذي لم تقدر وزارة الصِّحة علىٰ إحصائه، بالإضافة إلىٰ مثل من العدد إصاباتٍ بليغة وقطعٍ للأطراف، وحالات مستديمة من المعاناة والقهر، وكثرة الأمراض والأوبئة، والحصار الخانق حتَّىٰ بلغ أن صارت حبَّة البصل يتجاوز سعرها دولارين أمريكيَّين في حين كان قبل الحرب الكيلو بدولار أو أقل، والفليفلة صار الكيلو منه بتسعين دولار وقبل الحرب بدولارٍ واحدٍ، وكيلو الدَّقيق وصل إلىٰ حدِّ المئتي دولار أمريكي.. ومثل ذلك الكثير، وهٰذا الحصار الخانق المُستعر، لم يكن علىٰ ١٠٠ ألف إنسان، ولا مئتي ألف، ولا ثمانمئة ألف، بل علىٰ مليوني ونصف المليون، بغىٰ اليهود وطغوا حدَّا لم يبلغوه من قبل، ودانت لهم أمم الأرض قاطبةً، وكرههم النَّاس كما كرههم النَّازيُّوون، بل وأشدَّ من ذي قبل، وصار البعض يحمد لهتلر ما صنع بهم، ويستذكر آخرون نبوخذنصر بالخير والرَّحمة. 

وساعد نظام العسكر الخائن في مصر الاحتلال في تشديد الخناق علىٰ أهل غزَّة، وصار خروج الفلسطيني من القطاع يكلِّفه خمسة آلاف دولارٍ أمريكي، بل ودار بعد مرور زمنٍ فصار بثمانية آلاف دولار. وكان العسكر في مصر قد انقلب علىٰ الشَّرعيَّة، ثم أخذ بتشديد الحصار علىٰ القِطاع، وهدم الأنفاق، وقطع سبل توريد السِّلاح والمؤونة، فكانوا أشدَّ من اليهود علىٰ إخوانهم. وأمَّا حكَّام العرب الآخرين في جزيرة العرب فقد وقفوا متفرِّجين، يشاهدون هٰذه المذبحة وليس لهم إلَّا بياناتُ استنكارٍ بين الحين والحين، بل وزاد بعضهم في طغيانه وصار يورِّدُ للكيان الصُّهيوني الغذاء والخضار والطَّعام بعد الخسائر الَّتي لحقت بهم بسبب هجوم المجاهدين علىٰ غلاف غزّ!ة حيث هي سلَّة غذاء الكيان المغتصب، فللّٰه المـشتكىٰ ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله. وأمَّا ما يُسمىٰ محور المقاومة، فقد وعد المجاهدين بوحدة السَّاحات، وبشنِّ هجمات موحَّدةٍ مُشتركةٍ علىٰ العدو الغصاب، فما إن حلَّ الوعيد، وأُدركت السَّاعة، حتَّىٰ تكمكروا في جحورهم، وانطووا إلىٰ كهوفهم، ودفنوا رؤوسهم كالنَّعام، فخانوا المسلمين كما خانوا عليَّاً والحسين وزيداً من قبل.»

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا الذي ما نظر إليّ أحد

لعلَّك تميلُ إلىٰ العمل في الاتِّحاد بعد أن تقرأ هٰذا

قصَّة قصيرة: عودة سيف الله