الله يعينك يا حسين علىٰ هيك زوجة
(١)
- والله يا أبو حسين، وغلاوتك عندي، لو أغدو إلىٰ من أغدو من البيوتات، لألقىٰ زوجاً لابني تؤنسه، وتحفظ عليه دينه وحياته، وتهنأ عيشه، وتسعد نفسه؛ ما وجدتُ أكثر مما عندك. يشهد الله أنكم من أهل الجود والكرم. بل أنتم أهل الجود والكرم.
- الله يسلمك يا أبو مازن، عليم الله قد نورتم بيتنا، ولو لففنا البلاد وسرينا إلىٰ العباد؛ فلن نلقىٰ مثلكم صهراً ونسباً وحسباً، وجاهاً ووجاهاً. ولو أردتم لحملتها إليكم دون مهرٍ، ولا عرسٍ ولا من قبيله.
- بارك الله فيك يا أبو حسين، الله حسيبي أن ابنتك هي ابنتي، خرجت من بيتها إلىٰ بيتها، لا يضيمها شيء، ولا يعوزها من أمر الدنيا أمراً إلا حزناه لها. ولو يا أبو حسين.. أنتم غاليين علينا. أنتم من بركة جدنا سائر الله يرحمه، ولا تحسب أننا للقيانا نسباً عنده وهو جدنا الرابع، ولكن -الله وكيلك وكيل السماء والأرض- أعزّك مثل أخي.
- الله يبارك.. (يتوجّه إلىٰ العريس) مبارك يا عريس، الله يجعلها فاتحة الخير عليكم، ولا أوصّيك فيها. إنها قطعة من قلبي، بل قلبي كله. وأنا عليمٌ بالناس وطباعهم، أحسبك من خيرهم.
- شكراً عمي، سأكون عند حسن ظنّك بي.
كان أبو حسين وأبو مازن أبناء عمومة ليسوا لَزَماً، ولكنّهم من فخذٍ واحدٍ، وقد تربّوا جميعاً في كنفِ جدّتهم، ويومئذٍ كانوا صغاراً، وكبروا وقد بقيت الصحبة والأخوّة تلك فيهم، لا يُذكر أحدهم إلا وقُرِن الثاني به، وصاروا وكأنّهم توأماً؛ غير أنهم ليسوا من بطنٍ واحد، ولا من أبٍ واحد. ومضوا علىٰ ذلك أثراً، وقد تعاهدوا علىٰ أن يزوّج أحدهم ابنه لابنة الآخر، فيصير مع الصحبة والقرابة؛ مصاهرةً ونسباً. وكان هذا ما حدث، فقد زوّج أبو مازن ابنته لابن أبو حسين، وقد تقرّر العرس بعد أيامٍ، والناس في فرحٍ وسعدٍ لهذا الحدث الجليل المبارك في العائلة الكبيرة.
- يعني نوينا أن يكون العرس يوم الخميس إن شاء الله، أليس كذلك يا أبو مازن.
- إن أراد الله.. أي نعم.
- علىٰ خير إن شاء الله. هيا بنا يا أم مازن تأخّر الوقت.
- إلىٰ أين يا أخي أبو حسين، ما زلنا في أول الليل، وأنعم بها سهرةً وسمرةً.
- أكرمك الله، علينا العودة، كي نقوم بالتجهيزات الضرورية. لا نريد التأخير.
- علىٰ خير.. علىٰ خير.. الله يسهل لكم يارب.
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أستودعكم الله.
- في أمان الله.
- الله يحفظكم.
(٢)
كان العرس صاخباً، وفيه من الجلبة الجليّة ما تحادث به الناس، وصار مثلاً يُضربُ به، فقد قيل أن أبو مازن قد ذبح قرابة ٣٠ ذبيحة إكراماً للمدعوّين، وأولم من الولائم ما يستلذّ بها المرء أياماً متتابعات، وتبقىٰ في طعم لسانه شيئاً من تلكم الوليمة التي كانت من الرز المطبوخ يعلوها لحمة عربيةً نعيميّةً (وهذه اللحمة كما قيل هي قطعةٌ من كبش ابراهيم الخليل الذي فدىٰ الله ابنه به).
وكان العرس مليئاً، لا تعوف أوله من آخره، وقد تزاحم الناس في هذا العرس العظيم. والناس في بهجةٍ وغبطة لأهل العرس من الطرفين.
وعلىٰ مقربةٍ من صالة النساء، هناك حيث بنات عمّ العروس يتحادثن وقد أخذن مجلساً بزاوية الحفل، وصدر الرزّ بقي منه نصفه وزاد قدر الحاجة بالضعف. جلسن يتحدّثن:
- أعلمتي أن أم حسين قد تلاسنت مع أخت العروس مريم؟
- لا، لا تقوليها. وكيف هيك صار؟
- سمعتُ أن مريم قد قالت عن أم العريس أنّها (بتشوف حالها)، وفيها نوع من الكِبر والغرور، والسفك والطيش، وذلك أنّها ارتدت فستاناً للعرس لا يلبسنه إلا ذوات العشرين، وهي في مطلع الخمسين، وذاك الذهب الذي غزا يديها وجيدها، لو وُضِع عند الرسول في تبوك لجهّز ربع جيش العسرة!
- أوف.. إلىٰ هذه االدرجة! أي.. وبعدين أيش صار؟
- بعدين.. سمِعَت الكلام أم العريس، إذ أن ابنة أختها حكت لها الكلام. وصار اللي صار.
- وابنة أختها أنىٰ لها أن تعلم؟
- هي سلفة مريم.
- آها.. طيب أيش صار يعني.. احكي؟
- أي بسرعة شو صار شوّقتينا؟
تكمل هناء قائلةً: بعدين ما صار شيء، ذهبت أم العروس ومعها بناتها سعاد وفريال إلىٰ أم العريس في غرفةٍ داخل الصالة ومعها ابنتها مريم، وأخذت تكيل لها الشتائم والدعاوي، وتحقّر وتسفّه لها القول. وطبعاً خالتي جيداء -أم العروس-، أخذت تهدّأ من أعصاب أم العريس، وتقول لها أن كل ذلك يُحل بعد العرس، وأن مريم لم تقل هذا أساساً، وأنه كذبٌ وزورٌ وبهتان.
- أي.. وبعدين؟
- لم تهدأ فورة الغضب تلك، وبقي وجه أم العريس (أم مازن) عابساً متجهّماً طوال العرس.
صاحبتها وهي تأكل البزر: يا لطيف الله يجيرنا.. بنات هالأيام.
- من تقصدين.. مريم؟
- لا، أم العريس..
(٢)
- ما هذا الذي حدث يا أم حسين؟ صحيح صاير ملاسنة بينكي وبين أم مازن؟ وقيل أنكِ قد دعوتِ عليها، وطعنت بها وبأبيها وأمها؟ صحيح الحكي؟
- أيش؟! داعية عليها؟ من قال لك هذا الكلام؟
- أبو مازن.
- أبو مازن؟ هذا كذبٌ وتلفيق، إذ أني فقط هدأتها، وراضيتها، واعتذرت منها عن قول ابنتي مريم لأنها أهانتها -كما زعمت-. جاءت تضع اللوم علي؟
- يعني أنتِ ما أهنتيها؟
- لا، يشهد الله ما أهنتها. ولماذا أهين أم صهري، أي ما الغاية!
- ولا ابنتكِ مريم؟
- لا، ولا حتىٰ هي، فقد أقسمت لي أنها ما أهانتها، وما تكلّمت عنها بسوءٍ، ولا أتت علىٰ ذكرها بشيءٍ.
(يصرخ أبو حسين علىٰ ابنته مريم لتقدُمَ عليه)
- تفضل يا أبي..
- يا ابنتي، لماذا حكيت علىٰ حماة أخيكِ.. أليس عيباً؟
- يا أبي أقسم بالله العظيم ما قلت شيئاً، ولا ذكرتها بسوءٍ أبداً. وكل هذا محض تلفيقٍ وبهتان
- لا حول ولا قوة إلا بالله، لا أعلم ماذا أفعل.
- بعدين يا أبو حسين، أبو مازن لماذا يستصغر نفسه، ويصغّر عقله، ويحشر نفسه يتدخل بأمور النسوان. يعني حتىٰ لم يطلع علينا نهارٌ جديد.. بنفس ليلة العرس والناس مرهقةٌ من أهوال العرس ومشاقّه؛ يأتي ليخبرك بهكذا أمور! عجباً
- لا أعلم ما دهاه، لو رأيتيه وقد كان الشرار يخرج من عينيه، وشيئاً قليلاً ظننتُ أنه سيُبطل الزواج!
(٤)
- دفعنا عليكِ المهر الفلاني، والله لو طلبنا به بنت أميرٍ لأعطونا إياها. ألم تُحسن أمّك تربيتكِ فتطبخي كما تطبخ النسوة الحصيفات؟ ألم تعلّمكِ النظافة والرتابة؟ هل سنجلس كي نُربّيكِ مرّةً أخرىٰ! الله يعينك يا حسين علىٰ هيك زوجة، الله يحمل معك علىٰ قدر ما ستعانيه منها.
- ما بكِ يا أم حسين، لماذا صوتكِ عالٍ، هدّأي من روعكِ.
- اسمع يا أبو حسين البنت هاي لا أريد أن أراها أبداً. أرجعها إلىٰ أهلها، هم أولىٰ بها وبوساختها وقذارتها. اسبوعٌ كاملٌ ونحن نتحمّلها. لا أريدها بعد اليوم.
- لا يا أم حسين، وحدي الله، استهدي بالله.
- أنا شو عملت يا خالتي. كل شيءٍ أمرتني به فعلته.
- كل شيءٍ؟ حين أخبرتكِ ألا تلبسي ذاك الثوب حينما قدمت علينا سلفتي وبناتها، لمذا لبستيه؟
- لم يكن عندي ثوباً آخر مرتّب، إذ قد رأيت خزانة ملابسي مبعقرة، ولا أعلم من صنع ذلك.
- يعني ماذا؟؟ أتتهمينا بتخريب غرفتكِ! الله يعينك يا حسين علىٰ هيك زوجة، الله يحمل معك علىٰ قدر ما ستعانيه منها.
- معاذ الله يا خالتي، ولكنني أقول لك الذي حدث فقط.
- وحين أتت جارتنا أم أسعد ألم أقل لكِ لا تأخذني منها نقوط العرس؟
- لكنها أقسمت علي ثلاثاً، فلم أشأ أن أحرجها.
- لم تشائين ها.. تحبين أن تكسري كلامي يا بنت، وصرتِ تفعلين ما يحلو لكِ وتخالفين ما أنهاكِ عنه. الله يعينك يا حسين علىٰ هيك زوجة، الله يحمل معك علىٰ قدر ما ستعانيه منها.
- معاذ الله يا خالتي، ولكنني أقول لك الذي حدث فقط.
- ثم عندما أخبرتكِ أن تجهزي القهوة لفريال وصاحبتها لماذا لم تفعلي؟ هل هنا أيضاً لم تشائي أن تخجليها؟ أصرتِ تخرجين هن أمري، ألم تعلمي أني الآمرة الناهية في البيت!
- كان حسين قد أمرني بالتجهز لأذهب معه. ثم إنني لستُ خادمةً لابنتك. قل لها يا حسين (لم يستطع حسين أن يتكلم، ولا أبو حسين، ولا رئيس الدولة، ولا أمين عام الأمم المتحدة ولا هم يحزنون)
- وتردّين علي الجواب يا ابنة القذارة. أتسمع يا أبو حسين ما تقول هذه الشرنّة الشاظومة. أتسمع يا حسين قول زوجتك اللعينة هذه. يا خسارة المال الذي صرفناه عليها. يا خسارة ابني المهندس الذي تكرمنا عليكم وزوجناكِ له. الله يعينك يا حسين علىٰ هيك زوجة، الله يحمل معك علىٰ قدر ما ستعانيه منها.
- أنا لستُ ابنة القذارة.. أمي أشرف من الشرف.
- واللهِ يا حسين إذا ما طلقت هذه القذرة لأغضبن عليك. إذا وبتبقىٰ عندي كمان ساعة لتحرم عليّ شوفتك.
- استهدي بالله يا أمي. كل شيءٍ سيُحل.
- طلقها ولك. طلقها وإلا لا أكون لك أماً. طلقها..
- أنتِ طالق.
ترد زهراء: أي خليك هيك مطخّي لأمك، ابن أمه الصغير لا يخرج عن كلام أمّه ولو كانت علىٰ غلط. الحمد لله الذي أراحني منكم جميعاً
يتحدّث أبو حسين بعد أن كان كالمغميّ عليه: حسين أخرج هذه البذيئة، وأرسلها إلىٰ أبيها. وقل له ما عاد يشرّفنا نسبك ولا مصاهرتك.
تعليقات
إرسال تعليق