الوطنية؛ حبلٌ بغير عُرىٰ

 


هرع الناس في تبجيل مظاهرات السويداء، وكالوا المدائح والنياشين، وشهدوا لهم بالحمّية والرجولة والمروءة والشجاعة، وغدوا يهتفون: حيا الله ببني معروف.. الله حيّه النشامىٰ الصناديد، كفو يا رجال الجبل ..إلخ. وعلىٰ الجانب الآخر، هتفوا يحيّون من أسموهم بثوّار الساحل علىٰ طاغيتهم، وكما صنعوا في مدائحهم ببني معروف، فعلوا مثلها في بني نُصير.

فوربّك لا أدري، أطُبِعنا نحن معاشر أهل السنّة في سوريا علىٰ السذاجة، أما أننا تعلّمنا السذاجة حديثاً، أم أن أدعياء الوطنيّة ألقمونا السذاجة كما تلقم الأم ابنها؛ ترضعه كما أرادت، لا كما أراد هو بذاته.

أولئكَ إخوة الوطن -كما أطلقها عليهم سُذاجنا- أرأيتهم يرفعون علم سوريا ذي الثلاث نجمات؟
فإنّي والله قد اطّلعت علىٰ مظاهراتهم، فما وجدتهم يرفعونها. أفحسب الدروز أن علم الثورة إنما هو علم أهل السنّة، فأبوا أن يرفعوه حميّةً لمذهبهم؟
والنصيريّة الذين غدوا يعارضون بشار، أو دعنا لنقل عنهم العلويون الأحرار كما يطلقون علىٰ أنفسهم؛ ذلك كي لا نُغضِب سُذاجنا، فقد علمتُ أن سيدهم معاذ الخطيب، الذي يصفونه بالشيخ، وخطيب الأموي، وسليل المجد يقول عن العلويّة: إخواننا! كذلك عن الروافض، أو دعنا لنقل الشيعة؛ أيضاً ذلك كي لا نُغضب سُذاجنا.
فأخبرني يرحمك الله، أوجدتهم اعترفوا بعلم الثورة لهم علماً؟ دعنا منهم فقد تعوّدنا عليهم، دونك ماركسيّ الجزيرة، عصابات أوجلان بشقّها السوري، هل يرفعون علم الثورة؟ أرأيته حاضراً في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم؟
لن ترىٰ..
فهذه الثورة يا أخي هي شيءٌ يُشترىٰ!

لا تجد أي اعتراض أو انتقادٍ علىٰ بدائع الأقليات، وما تسمع من حسٍّ ولا رجسٍ. الجميع عميانٌ عنهم، ولا أحد ينعاك عن أن تدرزن الثورة حين يخرج شيخ العقل يقول وأتباعه: هاي يالله ما منركع إلا لـ الله.
ولا أحد يقول لك لا تعلمن الثورة، حينما يصدر بيان من نصيريّة الشام ما به من فاتحة ولا سلام، يقولون في عن السوريين أمّةً: الأمّة السوريّة.
لن تسمع نحو هذا شيئاً. إلا ما إن تظهر لك راية مكتوبٌ عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ فترىٰ جموعاً حاشدةً تُندّد بذلك، وينهوك قائلين: لا تأسلم الثورة.
وي كأن الشعب السوري كافر، وقد أسلمنا من جديد.

أتدري ما حجّتهم، أن سوريا فيها شعوب ومذاهب وأديان، ولا يصحّ حصرها في مذهبٍ أو دينٍ أو معتقدٍ معيّن. يترآىٰ لك من مقالتهم الجوفاء تلك، أن سوريا كلبنان، إنما هي محاصصةٌ بين المسلمين الذين هم ربعُ البلد، والنصيرية ربعٌ، والدروز ربعٌ آخر، والمسيحيين ربعٌ رابعٌ إضافي= فالواجب أن نراعي الأرباع تلك. فما يجوز لك أن تسيّر الناس علىٰ حُكم الإسلام، وتؤسس قواعد الحكم والسياسة علىٰ منهاجه وشرعه؛ إنما هذا يغضب إخوة الوطن، فلا تدعشن الثورة يا أخي، ولا تأخونها، ولا تُسلّفها. دعها ديموقراطية.
هكذا تظن، تظن أن البلد أرباع، وإذ بك بواقع الأمر أن أهل الإسلام (فأهل السنة فقط هم المسلمون؛ عرباً وكرداً وتركماناً وشركساً) هم أربعة أخماس البلد، والخمس الأخير موزّعٌ علىٰ باقي الطوائف والأديان. أفليست الديموقراطية تُعنىٰ بحكم الأكثرية؛ فكيف يستقيم أن لا تحكم برأيهم، ولا تأتمر بأمرهم، ولا تنتهي بنهيهم؟ أم أن حكم الأكثرية يصير مُفعّلاً في مواضع مسفسفةٍ تافهةٍ كتعبيد طريقٍ بين العاصمتين، وفتح معابر جديدة (مستقبلاً هذا أعني).

ما كنتُ أحسب في يومٍ من الأيام أن يصير الأكثرون أقلّيةً في وطنهم، تتكالب عليهم الأقليّات الذين كانوا منذ زمنٍ يخضعون لهم كما خضوع الدواب والبهائم. وما كان عُلوّ أمرهم، وبلوغ شأنهم إلا بسلطان العدو الغاشم حين قدم أرضنا، أو بميوعة سُذاجنا حينما رأوا أخوّة الوطن أبدىٰ من الإسلام. وإلا فأخبرني، هل صار الدروز الذين هم لا يبلغون إلا مليوناً -أو أزيد بقليل- أكثر هيبةً عند نظام النصيريّة من ٢٦ مليون مسلم؟ ففي حين خرج بنو معروف يتظاهرون بعد أن جاعوا، ثارت درعا البلد ونوىٰ في حوران كما عادتهم علىٰ مرّ الأيام، فما فُعِل بهم؟ قصفهم النصيرية كما عادتهم علىٰ مرّ الأيام.
والدروز ماذا فُعِل بهم؟ لم يقصفهم النصيرية كما عادتهم علىٰ مرّ الأيام.
لماذا؟ أتدري.. لأن الحرب ليست علىٰ سوريا، الحرب ليست علىٰ الوطن، الحرب ليست علىٰ السوريين؛ إنما الحرب ليست سوىٰ علىٰ أهل الإسلام. وإنما أهل الإسلام هاهنا هم أهل السنّة، كي لا يحسب أتباع معاذ الخطيب أن طوائف الباطنية (روافض، دروز، نصيرية) داخلة في جموع المسلمين.

أرأيت لو كانت الأخوّة إنما أخوّة الوطن، أكان الصديق ليتّخذ خارجة بن زهير الأنصاري أخاً له وهو ليس ذا قرابة، أكان عمر ليتّخذ عتبان بن مالك الأنصاري أخاً له وما هو إليه بذي نسب، أوكان مصعب عمير القرشي ليتّخذ أبو أيوب الأنصاري أخاً له والأول من عدنان والآخر من قحطان.. وغيرهم مثائل وأشباه. أم تُراهم فضّلوا أخوّة كفار قريش علىٰ إسلام المدينة، وبدّوا رابطة الدم، علىٰ عقيدة الدين.
أما تراهم قدّسوا وطنهم فيأبون الخروج منها إلىٰ أرضٍ لا يعرفون فيها أحداً. ألم تكن أخوّة الإسلام أجدىٰ وأعلىٰ وأجل؟

هذا من جانب الدين، أما من ناحية السياسة وأمر الواقع: ما بال سُذّاجنا طاروا فرحاً بمظاهراتهم وإنشقاقاتهم؟ آلآن بعد عشر سنين ونيّف! آلان صحا بنو معروف، واستيقظوا بعد سباتهم الشتوي الطويل -نومة أهل الكهف إن شاء الله-.
أتدري لما قاموا بعد هذه السنين العجاف؟ أقول لك؛ قاموا بعد أن جاعوا. فهم جياع، وثورتهم هذه ثورة جياع. ليست كما ثورة أهل الإسلام، ثورة حقٍّ وكرامة، وحريّةٍ وعدالة. ثورةٌ للثأر ونحن الشِّباع الذين لا يعوزنا كلأٌ ولا مأوىٰ، ثرنا بسواعدنا ردّاً للذل، وردعاً للظلم، ودفعاً للعار، وإسكاتاً للباطل، وحميّة للمكلوم، ونصرةً للضعيف.
لسنا جوعىٰ، وما نحن بأهلٍ للمذلّة. فحينما صدع بها أهل حوران وتبعهم بذلك إخوانهم في بقاع أرض الشام: الموت ولا المذلّة= صمدنا بها صمود الراسخات، وثبتناً ثبات الراسيات. فما مِدنا ولا حِدنا، ولا تزحزحنا عن مبادئنا، ولا تزعزت قوانا خوفاً وجبناً. بل جابهنا عوالم شتىٰ، ودولاً عِدة، حتىٰ ما عدنا نرىٰ مِن نصير لثورتنا إلا ربنا. وها إدلب وجوارها وهي أول محررنا، ودرعا أول ثورتنا ما زالتا تضربان الأمثال بمعان الصمود والإقدام، ظنّونا قد خِرنا؛ فأعدناها جِذعةً.

أرأيت يرحمك الله أخوّة الوطن تلك.. إنما هي أخوّة إبليس. فما لي سوىٰ الإسلام أخٌ، ولا عشيرة إلا أهله، ولا وطن إلا ترابه.
علىٰ العهد نبقىٰ، وعلىٰ الشهادة نموت.

أحبَـــرَها أبو هاشمٍ الأُمّي في كوتاهيا، تركيا
قُبيل مغيب ٦ صفر ٤٥ه‍ الموافق ٢٢ آب ٢٣م

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا الذي ما نظر إليّ أحد

شكوىٰ عن الفكر؛ فراغهُ، وتراكمهُ، ومللهُ ويأسهُ

أوَما تدري ما هي ثورتنا السُّوريَّة المباركة؟ ١