وقفةٌ مع شيخنا عبد العزيز الطريفي في الرفق بالدعوة
يقول الشيخ -حفظه الله-:
”الحقِّ عظيمٌ في النفس تصغِّره العقول والأفواه، فقد يغلب الباطل البيِّن الحقَّ الليِّن، فالرفقُ يُزيِّنُ القولَ ولو باطلاً، قال النبي ﷺ: «ما كان الرفقُ في شيءٍ إلا زانه».“
”الحقِّ عظيمٌ في النفس تصغِّره العقول والأفواه، فقد يغلب الباطل البيِّن الحقَّ الليِّن، فالرفقُ يُزيِّنُ القولَ ولو باطلاً، قال النبي ﷺ: «ما كان الرفقُ في شيءٍ إلا زانه».“
وقفة:
ما كان ثناء الله علىٰ رسول الله ﷺ في قوله: «ولو كنت فظاً غليظ القول لانفضوا من حولك» إلا لبيان عظم الكلمة الحسنة، والرفق الذي يجر الاتباع، وبه قال له القائل بعد أن عفىٰ عن قريش فأسلمت: "ملكت القلوب".
وعن أمنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». وقام ﷺ ذات مرةٍ في صلاةٍ، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً. فلما سلَّم النبي ﷺ قال للأعرابي: «لقد حجرت واسعاً». وإننا في هذا نرىٰ أثر حب الناس لخير الأنام، نرىٰ أن حتىٰ أعراب الصحراء، المجبولون علىٰ الجلافة وسوء الخلق يحبونه أكثر من أنفسهم، وما هذا إلا لطيب قوله، ورفق فعله، وحسن أدبه بأبي هو وأمي.
وكيف لا وحين نرىٰ آخراً منهم إذا دخل أعرابيٌّ إلىٰ المسجد، فبال علىٰ حائطٍ فيه، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله ﷺ: «دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماءٍ، أو سجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».
أولو تعامل معه النبي ﷺ بحزمٍ وشدةٍ، وفظٍ أكان مستجيباً له؟ سامعاً ومطيعاً؟ لا، بل لربما استكبر أو كفر.
وهذا الرفق مطلوبٌ حتىٰ لمن هو أشد من الأعراب، لمن هو أطغىٰ الطغاة وأفجرهم، لمن حتىٰ من مثل فرعون، إذا قال الله ﷻ لموسىٰ -عليه السلام-: «إذهبا إلىٰ فرعون إنه طغىٰ فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشىٰ»، على تجبُّر فرعون وتعنته، واستباحته لدماء بني إسرائيل، واستحياء نسائهم واستعبادهن، وادعائه الإلوهية والربوبية؛ أمر الله موسىٰ بالرفق في القول، وحسن الكلمة.
والرفق أيضاً يؤلف بين الأعداء المتخاصمين، فيصلح بينهم حتىٰ وكأنه لم يكن شيء: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ». فهل يكون سوء الخلق، والتعرض بالشدة، وقبح الألفاظ، ومنقلب المعاني أجدىٰ أمَّن يتبع هديَ الأُلىٰ والصالحين.
وإن رونق الكلم، وغضاضة المعاني، وبهاء الأقوال ليبعث في النفس اتباعها ولو لامسها أو تلبسها الباطل: «وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا» فما كان ليسلم من ذلك حتىٰ نبينا ﷺ لولا الله وتثبيته لنبيه، فكيف بعامة البشر، الذين لا يفقه بعضهم القول، فيرىٰ تشذيب العبارات، وترقيق الكلام فيحسبه هدىًٰ وفيه من الضلالة ما فيه.
ثم إن تكرار اللفظ يورث التأثر: «وفيكم سماعون لهم».
وحين جاء عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قبل إسلامه إلىٰ الحبشة يريد رد المسلمين إلىٰ مكة، خاف بعض الصحابة لما علموا من جزالة قول عمرو، بلاغته وفصاحته.
ونختم بقول الشاعر:
وزينةُ المرء بين الناسِ منطِقهُ
نِصفُ الجمالُ بلين القولِ معقودُ
أحـبَرَهــٕا أبو هاشمٍ الأُمّي، فــــي كوتاهيا، تركيا
ضحىٰ الإثنين، ٢٧ مُحرّم ٤٥ه، ١٤ آب ٢٣م
تعليقات
إرسال تعليق