رسائل هولاكو وقطز



رسالة هولاكو القائد المغولي إلىٰ سيف الدين قطز ملك مصر، يُهدّده فيها، ويتوعده إن لم يُسلّم ما تحت يديه إليه، فيقول:

من ملكِ الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفّر قطز، الذى هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلىٰ هذا الإقليم؛ يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفّر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال؛ أنّا نحنُ جُند الله فى أرضه، خُلِقنا من سخطه، وسُلّطنا علىٰ من حلّ به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبرٌ، وعن عزمنا مزدجرٌ، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحنُ ما نرحم من بكىٰ، ولا نرقّ لمن اشتكىٰ، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأيّ أرضٍ تأويكم؟ وأيّ طريقٍ تنجيكم؟ وأيّ بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مَناص، فخيولنا سوابق، وسهامُنا خوارق، وسيوفُنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تُمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ومطركم علينا لا يُسمع. فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، ﴿فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون﴾ الأحقاف| ٢٠، ﴿وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون﴾ الشعراء | ٢٣٧. فمن طلب حربنا ندِم، ومن قصد أماننا سلِم. فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتُم، فلكم ما لنا وعليكُم ما علينا، وإن خالفتم هلكتُم، فلا تُهِلكوا نفوسكُم بأيديكُم، فقد حذّر من أنذر، وقد ثبت عندكم أن نحنُ الكفرة، وقد ثبت عندنا أنّكم الفجرة، وقد سَلّطنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكثيركُم عندنا قليل، وعزيزكُم عندنا ذليل، وبغير الأهنّة لملوكِكُم عندنا سبيل. فلا تُطيلوا الخِطاب، وأسرعوا بردّ الجواب، قبل أن تُضرِم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتُصبح بلادكم منكُم خالية، فقد أنصفنا إذ راسلناكُم، وأيقظناكُم إذ حذرناكُم، فما بقي لنا مقصدٌ سواكم، والسلام علينا وعليكُم، وعلىٰ من أطاع الهُدىٰ، وخشي عواقب الردىٰ، وأطاع الملك الأعلىِ. فهل عُلِم؟

ألا قُل لمصرَ ها هُلاون قد أتىٰ
بحدّ سيوف تُنتضىٰ وبواترِ


يصيرُ أعزّ القوم منّا أذلةً
ويُلحق أطفالاً لهم بالأكابرِ


فردّ الملك المظفّر، ملك مصر سيف الدين قطز عليه:

اللهم علىٰ كل شىءٍ قدير، والحمد لله، والصلاة والسلام علىٰ سيدنا محمد النبيّ الأميّ، علىٰ كتابٍ ورَدَ فجراً عن الحضرة الخاقانية، والسدّة السلطانية نصر الله أُسدّها، وجعل الصحيح مقبولاً عندها، وبان أنكم مخلوقون من سخطِه، مُسلّطون علىٰ من حلّ عليه غضبه، ولا ترِقّون لشاكٍ، ولا ترحمون عَبرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكُم، وذلك من أكبر عيوبكُم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفىٰ بهذه الشهادة لكم واعظاً، وبما وَصفتم به أنفسكُم ناهياً وآمراً، ﴿قل يا أيها الكافرون ۝ لا أعبد ما تعبدون﴾ الكافرون | ١-٢. ففي كلّ كتابٍ لُعِنتُم، وبكل قبيحٍ وُصِفتُم، وعلىٰ لسان كلّ رسولٍ ذُكِرتُم، وعندنا خبركُم من حيث خُلِقتُم، وأنتُم الكفرة كما زعمتُم، ألا لعنة الله علىٰ الكافرين، وقلتم أننا أظهرنا الفساد، ولا عَزّ من أنصار فرعون من تمسّك بالفروعِ ولا يُبالي بالأصول، ونحنُ المؤمنون حقاً لا يُداخلنا عيبٌ، ولا يصدّنا غيبٌ. القرآن علينا نزَل، وهو رحيمٌ بنا لم يزَل، تحققنا تنزيله، وعرفنا تأويله، إنّما النار لكم خُلِقت، ولجلودكُم أُضرِمت ﴿إذا السماء انفطرت﴾ الإنفطار | ١. ومن أعجِب العجَب تهديدِ الليوثِ بالرّتوت، والسّباعِ بالضّباع، والكُماةِ بالكِراع. خُيولنا برقيّة، وسهامُنا يمانيّة، وسيوفُنا مُضريّة. وأكتافها شديدةُ المضارِب، ووصفُها في المشارِق والمغارِب. فُرسانُنا ليوثٌ إذا ركبت، وأفراسُنا لواحقُ إذا طلبت، سيوفُنا قواطعُ إذا ضربت، وليوثُنا سواحقُ إذا نزلت. جُلودنا دروعُنا، وجواشنُنا صدورُنا. لا يصدعُ قلوبنا شديد، وجمعُنا لا يُراعُ بتهديد، بقوة العزيز الحميد اللطيف. لا يهولُنا تخويف، ولا يُزعِجُنا ترجيف. إن عصيناكُم فتلك طاعة، وإن قتلناكُم فنعمَ البضاعة، وان قُتِلنا فبيننا وبين الجنة ساعة. قلتُم قلوبُنا كالجبال، وعددُنا كالرمال؛ فالقضاء لا يَهولهُ كثرةُ الغنم، وكثرةُ الحطب يكفيهِ قليلُ الضرم، أفيكون من الموت فِرارُنا وعلىٰ الذُلّ قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون! الفرارُ من الدنايا لا من المنايا، فهجومُ المنيّة عندنا غايَة الأمنية. إن عِشنا فسعيداً، وإن متنا فشهيداً، ﴿ألا إن حزب الله هم الغالبون هو﴾ المائدة | ٥٦. أبعد أمير المِؤمنين وخليفة رسولِ رب العالمين تطلبون منّا الطاعة؟ لا سمعاً لكُم ولا طاعة. تطلبون منّا أن نُسلِم إليكُم أمرنا، قبل أن ينكشِف الغِطاء ويدخل علينا منكُم الخِطاء! هذا كلامٌ في نظمه تركيك، وفى سلكِه تسليك، ولو كُشِف الغِطاء، ونزَل القضاء، لبان من أخطأ. أكفرٌ بعد الإيمان، ونقضٍ بعد التبيان؟ قولوا لكاتبكُم الذي رَصف مقالتَه، وفخّم رسالتَه؛ ما قصّرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت. والله ما كان عندنا كتابكَ إلا كصريرِ بابٍ، أو طنين ذُباب. وقد عرفنا إظهارَ بلاغتِك، وإعلان فصاحتِك، وما أنتَ إلا كما قال القائل: ‏‎”حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء“
كتبتَ: ﴿وسيعلمُ الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون﴾ الشعراء | ٢٣٧. لكَ هذا الخَطاب، وسيأتيكَ الملك الناصر، وبكتمر، وعلاء الدين القيمري، وسائر أمراء الشام، ينفرون الإيصال إلىٰ جهنّم وبئس المهاد، وضربُ اللّمم بالصماصم الحداد. وقل لهُم: إذا كان لكم سماحةً، ولديكم هذه الفصاحة؛ فما الحاجة إلىٰ قراءة آياتٍ، وتلفيق حكاياتٍ، وتصنيف مكاتبات، وها نحن أُولاء في أواخر صفر، موعدنا الرَسْتَن، وألا تعدنا مكان السلم، وقد قلنا ما حضر، والسلام. 

ثم قتل رسل هولاكو..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا الذي ما نظر إليّ أحد

شكوىٰ عن الفكر؛ فراغهُ، وتراكمهُ، ومللهُ ويأسهُ

أوَما تدري ما هي ثورتنا السُّوريَّة المباركة؟ ١