عاد ابليس يا سيادة الرئيس
كان لسحب مقعد الجمهورية العربية السورية من يد نظام حزب البعث العربي الإشتراكي بقيادة الرئيس بشار الأسد، وإعطائه للإئتلاف السوري لقوىٰ الثورة والمعارضة بقيادة أنذاك أحمد معاذ الخطيب الدويّ الهائل، والخطوة التي اعتبرها جمعٌ من وجوه الثورة السورية بادرة خيرٍ، ونقطة انطلاقٍ لاعتراف المؤسسات العربية العالمية بسقوط شرعية النظام السوري البعثي. ومع ازدياد الانشقاقات العشكرية والمدنية عن النظام، والتحاقهم بركب الثورة، ازداد التفاؤل بدنو أجل هذا النظام القابع في دمشق، الممسك بأعناق الشعب منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمن. وغدت روح الحرية تعشعش بين ثنايا القوم، وأصبح الجميع يتحيّن الفرصة للاحتفال بسقوط ذاك النظام رسمياً. وأمست التوقعات في ازدياد وتعدد؛ هل غداً؟ أم بعد غدٍ؟ هل العيد القادم؟ أم بعد ذاك العيد؟ سقوطه تحصيل حاصل، والمساحات التي يفقدها صارت ضعف الذي يملكها، والعالم بأسره، ودول أصدقاء الشعب السوري تكيل له الاتهامات، وتفرض عليه العقوبات الخانقة. وبات من الواضح أن أيام الظالم القابع في دمشق قد ولّت، وأن ساعاته معدودة، والحديث يدور عن كيف تكون قتلته؟ شنقاً كصدام حسين؟ اغتيالاً كمعمر القذافي؟ استقالةً فمحاكمةً كحسني مبارك؟ أم لربما عساه يهرب كما فعل زين العابدين بن علي؟ المهم أن يُزاح من رأس السلطة، والباقي غير مهم.
تتغير المعطيات، وتنقلب الأحداث، وذلك الظالم القابع في دمشق غدا رئيساً شقيقاً، وأخاً عزيزاً، وصاحباً وفيّاً. عاد الرئيس يا أصحاب السيادة والنيافة، يا أصحاب الشرف والمعالي عاد سيد الأهالي، ومنقذ الأوطان، وحامي حمىٰ الديار، ومدمر الخوارج والإخوان. فهلمّوا إليه تقببلاً وتكريماً، تبجيلاً وتعظيماً، انهلوا من رحائب صدره الدروس اعتباراً، والحكمة اقتداءً، والعظة اهتداءً. واجعلوا نُصبَ أعينكم أن ما قيل فيه من فحش الكلام، وبذاءة اللسان، مردودة، وأن أؤلئك الأشرار قد نالوا من وطنهم ما نالوا، ثم هربوا إلىٰ بلاد الكفر بعد أن باعوا أرضهم بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة، فباعوا آثارها، وأفنوا حرثها، وأهلكوا نسلها، وخربوا بيوتهم بأيديهم، ووقفوا علىٰ أطلالها وقد اغتنوا من غنيمتها الشيء الكثير. فاعتبروا يا أولي الأبصار، واهتدوا يا أولي الألباب. لا يغرنكم فعلهم، ولا تأبهوا لصنيعهم، فما نالوا من الوطن -المتمثل بالقائد الأعظم والرئيس المبجل- شيئاً. هاهو قد انتصر علىٰ الإرهاب، وأنقذ شعبه من مهلكةٍ عظمىٰ؛ وإن كان قد هجّر نصف شعبه خارج أرضهم، وربعه الآخر داخل أرضهم؛ إلا أنه بقي ربعٌ ما زالوا تحت أديمه وحنانه وأمانه.
أتطلبون رغد العيش وهنا الحياة؟ نحن لسنا في دار خلود، أكرم بها نعمةً أنك تعيش لتطبّل للرئيس، وأسعد بها جنة التي يحكمه القائد ويرعاها بلطفه وحنانه. أتسعون يا شعوبنا العربية أن تكونوا مثلاً كما حل بالسوريين، أن تُقتّلوا، وتُشتّتوا، وتعتقلوا، وتعذّبوا لأجل حرية؟ أكانت الحرية علىٰ تلكم الدرجة من القيمة والثمن؟ ما لكم لا تعقلون. دعكم من سفاسف الأقوال، وأكاذيب المرجفين، وأوهام المنافقين، اعتصموا بحبل رئيسكم، واستمسكوا به، وعضوا علىٰ يديه بالنواجذ، احتموا بظله يوم لا كي لا يأتي يومٌ لا تروا فيه إلا ظلال الجحيم.
ولكن يا صاحب الجلالة، ألم تقولوا لنا يوماً: "لا تصدقوهم.. إن قالوا أن الحرب قد انتهت ولا حاجة لقرارات الأمم المتحدة. لا تصدقوهم.. فالحرب لم تنته بالنسبة لـ ٢٠٠٠ شهيد أضيفوا هذا العام لقائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على ٣٥٠ ألف شهيد. لا تصدقوهم.. إن وقف زعيمهم فوق هرمٍ من جماجم الأبرياء مدعياً النصر العظيم، فكيف يمكن لنصر أن يُعلن بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساكن، وأي نصرٍ هذا الذي يكون لقائدٍ علىٰ رفاة شعبه ومواطنيه؟ لا تصدقوهم.. إن قالوا إنهم مهتمون بإعادة الإعمار، فإعادة إعمار المباني لا يمكن أن تتقدم على إعادة إعمار النفوس والقلوب التي في الصدور. لا تصدقوهم.. إن قالوا إن الأمن قد استتب، واسألوا المليون ونصف مليون سوري الذين أضيفوا هذا العام إلىٰ قائمة المهددين بغياب الأمن الغذائي مما دفع بأعداد المحتاجين إلى قرابة الـ ١٠ ملايين سوري. لا تصدقوهم.. إن قالوا إنهم يسعون للسلام وهم الذين سمحوا لموجات المتطرفين لاجتياح سوريا وقتل خالد بن الوليد وصلاح الدين وغيرهما من أبطال التاريخ العربي والإسلامي. لا تصدقوهم إن التفتوا يمنةً ويسرة، وراحوا يبحثون عن أسباب إخفاقهم ويرمون بها على مختلف الجهات." ماذا ترىٰ يا تُرىٰ يا صاحب السمو والمعالي؟ أما يجب ألا نصدّقهم؟
لا، بل صدّقوهم، غُرّر بنا يا شعبي المطيع الودود. صدقوهم، وخذوهم بالأحضان، وأجلسوهم علىٰ كراسي المجد، وعروش الرفعة.
ولكن أنصدقك اليوم يا صاحب المعالي ونكذبك البارحة؟ أم نصدّقكم البارحة ونكذبك اليوم؟
تصدّقوننا اليوم والبارحة.

صِحتُ مِن قسوةِ حالي:
ردحذففوقَ نَعلي
كُلُّ أصحابِ المعالي!
قيلَ لي: عَيبٌ
فكرّرتُ مقالي.
قيلَ لي: عيبٌ
وكرّرتُ مقالي.
ثُمّ لمّا قيلَ لي: عيبٌ
تنبّهتُ إلى سوءِ عباراتي
وخفّفتُ انفعالي.
ثُمّ قدّمتُ اعتِذاراً
لِنِعالي!
أحسنت👏🏻
ردحذف